الشرق اليوم- يستمر تدفق الأخبار السيئة من روسيا، حيث يتعرض ألكسي نافالني لقتل بطيء في السجن، ولا تزال القوات الروسية محتشدة على الحدود الأوكرانية، يطرح هذان الحدثان تحديات سياسية كبرى على مناصري حقوق الإنسان واستقلال أوكرانيا.
لكنّ الكشف عن هجوم مباشر أطلقته روسيا ضد دولة عضو في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي (انفجار ضخم في مستودع ذخائر في جمهورية التشيك في عام 2014) يستلزم رداً صارماً، وسيكون الامتناع عن الرد غير مقبول وبالغ الخطورة.
أعلنت السلطات التشيكية أن ذلك الانفجار كان من صنع ضابطَين في الاستخبارات العسكرية الروسية: إنهما ألكسندر ميشكين وأناتولي شيبيغا اللذان نفذا هجوم سالزبوري بالغاز السام في عام 2018، لا يمكن الاستخفاف بمعنى هذا الهجوم إذا أقدمت روسيا فعلاً على إرسال ضابطَين عسكريَين لتنفيذ اعتداء تخريبي قاتل ضد مستودعات الذخائر في قلب أوروبا، مما أسفر عن مقتل مواطنَين تشيكيَين.
في هذا السياق يقول توم توغندهات، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني وجندي احتياطي في الجيش البريطاني: “إذا لم يكن هذا التحرك إعلاناً للحرب، فلا أعرف معنى الحرب بكل صراحة”.
ستكون العقوبات وقرارات طرد الدبلوماسيين مجرّد جزء بسيط من الرد المنسّق على روسيا، ويُفترض أن يصدر اعتراف علني ومشترك حول تعرّض أوروبا للهجوم وضرورة أن يتكاتف الحلفاء للتصدي لهذا الوضع، لكن يبدو أن بعض العواصم الغربية يتابع تشجيع الاعتداءات الروسية بدل كبحها.
تُصِرّ ألمانيا على متابعة مشروع خط الأنابيب “نورد ستريم 2″، مما يعني أن روسيا قد لا تواجه أي عواقب رغم تصرفاتها، كذلك، لم تفسّر الولايات المتحدة خططها المرتبطة بنقل سفن حربية إلى البحر الأسود تزامناً مع الحشد العسكري الروسي بالقرب من أوكرانيا، فاقتنعت روسيا نتيجةً لذلك بأن واشنطن تراجعت عن قرارها بسبب التحذيرات الروسية.
حين تطلق موسكو التهديدات أو تطالب بمسائل غير مقبولة، يمكن اعتبار منع أسوأ السيناريوهات المحتملة نجاحاً بحد ذاته، فهذا الوضع يُشجّع روسيا على اختراق أمن الدول المجاورة لها وخصومها البعيدين، ولا يمكن تبرير تجاوزات روسيا لمجرّد أنها كانت ستتمادى بدرجة إضافية لكنها لم تفعل، وهذه الظروف لا تبرر إغفال القوى الغربية عن أفعالها أيضاً.
كان خطاب حالة الاتحاد السنوي الذي ألقاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مليئاً بمؤشرات حول موقفه الحقيقي من الغرب، فهو لا يزال عالقاً في ماضيه السوفياتي وافتراضه القائل إن العلاقات الدولية تبقى عدائية بطبيعتها، ويمكن فهم موقف بوتين الحقيقي حين قال التعليق التالي: “إذا اعتبر أي طرف حُسن نوايانا ضعفاً، فستكون ردة فعلنا عشوائية وسريعة وقاسية”، لكنّ روسيا هي التي تعتبر النوايا الحسنة مؤشر ضعف، لا الغرب.
تتمتع روسيا بثقة عالية بالنفس على مستويَين: موسكو هي في حالة صراع أصلاً وتستطيع متابعة مسارها الراهن من دون مواجهة أي عواقب خطيرة. كذلك، أثبتت روسيا أنها محقة في مواقفها، ومن واجب دول الاتحاد الأوروبي والبلدان الفردية الآن أن تطلق تحركات مُنسّقة لتحدي هاتَين الفكرتين. لا قيمة لتعابير “القلق” في هذا المجال، حتى لو صدرت عن أعلى المستويات الرسمية، بل إنها تثبت بكل بساطة أن الجهات التي تشعر بقلق حقيقي لا توجّه الردود الأوروبية، بل إن الأطراف التي تُحدد طبيعة تلك الردود قررت ألا تنشغل بما يحصل.
القلق لا يكلّف شيئاً ولا حدود له، أما التحركات المؤثرة، فهي تترافق مع تكاليف اقتصادية وسياسية كبرى ولا أحد يرغب في مواجهة هذه العواقب، لكن تبقى هذه التكاليف صغيرة مقارنةً بكلفة الجمود لأن الامتناع عن التحرك سيؤدي حتماً إلى استمرار المسار الراهن حيث تتابع روسيا تحركاتها بلا رادع ويزيد ميلها إلى إطلاق حرب غير معلنة ضد الغرب، ولن تقتصر تكاليف هذا الوضع على الخسائر الاقتصادية والسياسية، بل إنه قد يطرح خطراً وجودياً على بعض الأطراف.
المصدر: صحيفة الجريدة