بقلم: د.عبدالله محمد الشيبة – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – يشهد العالم فترات توتر وهدوء بين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها القدامى والجدد وبين روسيا وهي العدو التقليدي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية للمعسكر الغربي، ولكن بصورة جديدة تماماً تختلف جذرياً عن الوضع الذي ساد في الفترة من 1949 إلى 1991 حيث كانت الحرب الباردة بين منظمتي حلف شمال الأطلسي (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وحلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفييتي سابقاً.
فقد كان الوضع لما يزيد على أربعة عقود من الزمن صراعاً على بسط النفوذ والاستقطاب العالمي وفرض أيديولوجية معينة في العديد من مناطق العالم بين معسكرين غربي رأسمالي وشرقي شيوعي. وكانت ساحة الصراع بين القطبين هي دول تعارف على تسميتها بدول العالم الثالث ومعظمها نالت استقلالها من الاحتلال، سواء البريطاني أو الفرنسي، أو غيره في الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وبعض المناطق في آسيا وأفريقيا، بجانب دول في قارة أوروبا.
ومن أشهر صور الصراع بين المعسكرين حصار برلين في الفترة من 1948 إلى 1949، والحرب الكورية من 1950 إلى 1953 وأزمات قناة السويس 1956، وبرلين 1961، و الصواريخ الكوبية 1962.
وانتهت تلك الحقبة في العام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ونشوء دول جديدة كانت جزءاً منه، الأمر الذي أدى إلى تفكك حلف وارسو وبقاء روسيا بمفردها في مواجهة العدو التقليدي، حلف الناتو، بقيادة القطب الأوحد عالمياً، الولايات المتحدة الأميركية، والتي استطاعت استقطاب بعض الدول التي كانت يوماً ما جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق وحلف «وارسو» وضمها إلى حلف «الناتو»، وهي بولندا، المجر، جمهورية التشيك، إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا، سلوفينيا، بلغاريا، رومانيا، سلوفاكيا، ألبانيا، كرواتيا والجبل الأسود. وتزامن ذلك مع بدء حقبة جديدة غير مسبوقة من التعاون التجاري بين أعداء الأمس وشركاء اليوم، الولايات المتحدة الأميركية وروسيا.
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن ذلك التعاون بدأ مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتحديداً في عام 1992. وبنهاية العام 2019، بلغ إجمالي تجارة السلع والخدمات الأميركية مع روسيا ما يقدر بـ 34.9 مليار دولار، إذ بلغت الصادرات 10.9 مليار دولار، في حين بلغت الواردات 24.0 مليار دولار. وتحتل روسيا حالياً المرتبة السادسة والعشرين في قائمة الشركاء التجاريين للسلع مع الولايات المتحدة الأميركية، أضف إلى ذلك قيام روسيا قبل عام بالضبط بإرسال طائرة محملة بالمساعدات الإنسانية إلى الولايات المتحدة الأميركية في مواجهة انتشار وباء فيروس كورونا المستجد كوفيد – 19.
وهنا قد يتبادر إلى ذهن البعض أن الحرب الباردة قد انتهت، ولكن الصحيح أنها ما زالت تجري، ولكن بصورة أخرى. ففي الوقت الذي نجد تعاوناً تجارياً وتنسيقاً سياسياً روسياً – أميركياً في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني من خلال مجموعة 5 + 1، نجد واشنطن لا تفتأ تفرض عقوبات اقتصادية بين الفترة والأخرى على موسكو وشخصيات روسية، وتختلف قوة وحجم تلك العقوبات باختلاف الحزب الذي يقود البيت الأبيض.
وما زالت هناك مناطق توتر شديدة بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية وفي مقدمتها كوريا الشمالية. كما تسعى واشنطن بقوة إلى توسيع وجودها العسكري في دول تتاخم روسيا ومثال ذلك أوكرانيا، بجانب جهود سياسية وعسكرية كبيرة تبذلها واشنطن لوقف المد الروسي في العديد من مناطق العالم وخاصة الشرق الأوسط.
ولكن تبين في الأعوام القليلة الماضية، أن الحرب الباردة قد اتسعت لتجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهة سياسية ضد روسيا ومواجهة اقتصادية شاملة ضد الصين. فهل تستغل موسكو الحرب الباردة الجديدة لإضعاف واشنطن اقتصادياً وتشتيت جهودها سياسياً وعسكرياً لتفسح المجال للمارد الصيني؟