بقلم: بورزو درغاهي – اندبندنت عربية
الشرق اليوم- لطالما شكل هوس أميركا بالسلاح محط فضول في جميع أنحاء العالم. بدءاً برعاة البقر (أو الكاوبوي) ووصولاً إلى رجال المافيا ببدلاتهم الرخيصة ورشاشاتهم أو أفراد العصابات المعاصرين الذين يرتدون قبعات البيسبول ويقودون سيارات السيدان المنخفضة، تظهر شخصية حامل السلاح في الأفلام والموسيقى التي تحدد هوية العلامة التجارية الأميركية. أنشد مغني الراب الراحل إيزي إي في عام 1988 قائلاً “لأنني رجل عصابات أستمتع بوقتي، لا أغادر بيتي أبداً من دون مسدسي”.
لكن في السنوات القليلة الماضية، بدأ العالم يرى بوضوح أيضاً الكارثة المتعددة الأبعاد التي يتسبب فيها السلاح في البلاد. كان إطلاق النار الجماعي داخل منشأة شركة “فيديكس” في إنديانابوليس سادس مجزرة واسعة النطاق تقع على الأرض الأميركية خلال خمسة أسابيع وترتبط بالعنف المسلح.
وعلى الرغم من فرض الإغلاق في الولايات المتحدة بشكل عام بسبب جائحة فيروس كورونا، كان عام 2020 أسوأ السنوات التي مرت على البلاد في مجال أعمال العنف المسلح فيها منذ عقدين من الزمن. وفقاً لأرشيف عنف السلاح، وقعت 147 عملية إطلاق نار جماعية في الولايات المتحدة منذ 1 يناير (كانون الثاني) على الأقل، مقارنةً بـ85 عملية خلال المدة نفسها من العام الفائت.
وأظهر تسجيل الفيديو الذي ظهر الأسبوع الماضي ويصور شرطياً في شيكاغو يطلق الرصاص على فتى عمره 13 عاماً كان يرفع يديه في الهواء كما طلب منه ويرديه قتيلاً الواقع المأساوي لتخيلات لعبة الشرطي والسارق كما تصورها هوليود.
تفيد بيانات استطلاعات الرأي أن النظرة إلى الولايات المتحدة ساءت وتراجعت خلال السنوات الأخيرة وبلغت أدنى مستوياتها في عهد دونالد ترمب. وبسبب التقارير الإخبارية المثيرة عن عنف السلاح في أميركا وتحذيرات السفر التي تنبه الزوار الأجانب من احتمال وقوع حالات فوضى مرتبطة بالسلاح، يرى من يتابع الأخبار الأميركية أن البلد خطير [غير آمن] إلى حد ما. ويشعرون بالاشمئزاز من “التدريبات على التصرف في حال وجود مطلق نار” التي يخضع لها الأطفال في المدارس الأميركية إعداداً لليوم الذي قد تقع فيه مجزرة.
في خطاب من عام 2017، قال المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي “أصبح انتشار استخدام الأسلحة في أميركا مشكلة خطيرة. لكن الحكومة لا تجرؤ على حظر استخدام الأسلحة النارية قانونياً بسبب هيمنة المافيا وشركات السلاح الأميركية”.
تصدرت أنباء المجازر المسلحة في الولايات المتحدة نشرات الأخبار عالمياً منذ عقود من الزمن، أقله منذ أقدم مراهقان مسلحان ببنادق هجومية على اقتحام ثانوية كولومباين في كولورادو في عام 1999 وإردائهما 12 شخصاً على الأقل. لكن مشاهد سير مئات “رجال الميليشيات” في المدن الأميركية تسبب في صدمة جديدة لكثيرين في الخارج. فهذا المشهد يحدث في أماكن مثل سوريا والعراق. لو وقعت مشاهد إطلاق النار التي تحدث في الولايات المتحدة في بلد من أميركا اللاتينية أو أفريقيا أو الشرق الأوسط، لوصفها الصحافيون الأميركيون بأنها دولة فاشلة.
يقول لي منتج تلفزيوني عاش في الولايات المتحدة وأوروبا، واصفاً رد فعل الأشخاص الموجودين في الخارج على مشهد ظهور الجماعات الأميركية اليمينية المسلحة “إن الأمر صادم. ورد الفعل لسان حالها (حسناً، هذا الأمر لا يسير في المنحى الصحيح)”.
كشفت مراجعة موجزة لطريقة تحليل وتقييم وسائل الإعلام العالمية لعنف وثقافة السلاح في أميركا أن معظم المحطات التلفزيونية والصحف مصدومة كلياً [بما يجري] وغالباً ما تلجأ إلى الباحثين والصحافيين الأميركيين أو المستقرين في الولايات المتحدة بحثاً عن تفسير سماح البلاد بكونها مكاناً فيه نحو 400 مليون قطعة سلاح فردي حيث تقع المآسي بشكل أسبوعي تقريباً.
ويقول بابلو باردو، مدير مكتب صحيفة “إل موندو” الإسبانية في واشنطن “يعتقد الناس في أنحاء العالم أن الأميركيين مجانين”. قصد باردو في إحدى المرات معرضاً للسلاح في ضواحي العاصمة الأميركية ليبرهن سهولة اقتنائه بندقية. ويشرح “تمكنت من فعل ذلك من دون أن أبرز أي وثائق. إن شراء هاتف محمول أكثر تعقيداً. وفتح حساب في المصرف أصعب بكثير”.
قلة من المراقبين الخارجيين يفهمون سبب رفض أميركا تغيير قوانينها لفرض ضبط السلاح. بعد عملية إطلاق النار العشوائية في أغسطس (آب) 1987 التي قام بها مسلح في هنغرفورد وذهب ضحيتها 16 شخصاً، قامت المملكة المتحدة بتشديد قوانين السلاح كثيراً، فمنعت حيازة الأسلحة نصف الأوتوماتيكية [نصف آلية] وحدت من بيع بعض أنواع البنادق. بعد عقد على ذلك، حين قتل رجل 16 طفلاً ومعلمتهم في مدرسة ابتدائية اسكتلندي، فرضت قوانين أكثر صرامة على حيازة السلاح. واستعيدت عشرات الآلاف من الأسلحة من أصحابها.
بعد حادثتي قتل في أستراليا في عام 1996، قيدت أستراليا حق امتلاك الأسلحة الأوتوماتيكية ونصف الآلية وأعادت شراء 650 ألف قطعة سلاح من أصحابها. فيما غيرت نيوزيلندا قوانينها المتعلقة بحيازة الأسلحة في غضون أسابيع من وقوع مجزرتين داخل مسجدين، متحدية بذلك “لوبي” سلاح نافذ نسبياً. كما ضيقت كندا الخناق على قوانين السلاح بعد وقوع مجزرة في نوفا سكوتيا في عام 2020.
حين يذكر الأميركيون تعديل البند الثاني من الدستور الذي يجيز حق حمل السلاح، يكتفي الموجودون خارج البلاد بالابتسام بسخرية، كما لو أن القوانين، سواء في الولايات المتحدة أو خارجها، لا يمكن تغييرها حسب المطالب السياسية.
يقول جينار كيبر، وهو كاتب مقيم في إسطنبول، يبلغ من العمر 37 عاماً، سبق أن أقام في أميركا الشمالية “إن الرأي السائد في أوساط معارفي هو (يا إلهي ما خطب أميركا؟). وهو رأي المواطنين الأتراك والأميركيين والكنديين والأوروبيين والأفارقة الذين أعرفهم. ليس من بين معارفي من يعتقد أن أميركا على خير ما يرام نفسياً”.