بقلم: خيرالله خيرالله – العرب اللندنية
الشرق اليوم- يمتلك المبعوث الأميركي إلى اليمن تيموثي ليندركينغ ما يكفي من التواضع الذي يسمح له بالاعتراف بتعقيدات الموضوع الذي يتولّى معالجته. يجمع الدبلوماسي الأميركي بين التواضع والمعرفة. لذلك سمّى معظم الأشياء بأسمائها، خصوصا لدى تطرّقه إلى الدور الإيراني في اليمن، وهو دور يتميّز بالخبث. لذلك، أيضا يمكن القول إن شهادته أمام لجنة فرعيّة في مجلس الشيوخ تميّزت بكثير من الواقعيّة على الرغم من مراعاته، التي قد تكون لها أسبابها، لما يسمّى “الشرعيّة” اليمنية برئاسة الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي.
في النهاية، هل يعتقد ليندركينغ أن عبدربّه و”الشرعية” بحكومتها وجيشها وإخوانها المسلمين تستطيع تحقيق أي انتصار من أيّ نوع على الحوثيين بما يمثّلونه في أيّ منطقة يمنيّة؟ الجواب بكل بساطة أن ليس في الإمكان الاعتماد على شخص مثل عبدربّه لا يستطيع الإقامة في اليمن والذهاب إلى مسقط رأسه في محافظة أبين. كذلك، لا يمكن الاعتماد على نظام يقوم على العقلين الحوثي والإخواني اللذين لا يؤمنان بالدولة المدنية. لا مستقبل لليمن ولصيغة يمنيّة قابلة للحياة من دون هذه الدولة المدنيّة والقوانين الحديثة التي هي أساس كلّ دولة ناجحة في عالمنا هذا.
ليست مشكلة “الشرعيّة”، التي تحتاج إلى إعادة تشكيل، مرتبطة بشخص رئيسها فقط. لا شكّ أنّه يمثل جزءا من المشكلة في ضوء كلّ الأخطاء التي ارتكبها منذ خلف علي عبدالله صالح في فبراير 2012. تعود مشكلة “الشرعيّة” إلى ما هو أهمّ من ذلك بكثير. تعود إلى عجزها عن إدارة المناطق التي تحت سيطرتها، بما في ذلك تعز وعدن ومأرب نفسها التي يسعى الحوثيون (أنصارالله) إلى السيطرة عليها في ضوء الرغبة الإيرانية في ذلك.
لا شكّ أن لدى ليندركينغ ما يدعوه إلى تجنّب توجيه أي انتقادات لـ”الشرعيّة”، خصوصا أنّه يجد أنّها واقع لا بديل منه، أقلّه، في الوقت الحاضر. لكن اللافت أن المبعوث الأميركي وسّع، في إطار جولته الأخيرة في المنطقة، من دائرة اتصالاته والتقى أحمد علي عبدالله صالح نجل الرئيس السابق الذي أصرّ الحوثيون على اغتياله في الرابع من ديسمبر 2017 نظرا إلى أنّه كان الشخصية الوحيدة القادرة على الوقوف في وجههم داخل صنعاء نفسها والمنطقة المحيطة بها.
مثل هذا اللقاء يعكس شجاعة في وقت هناك أيضا كلام عن اتصالات أجريت بين الأميركيين وطارق محمّد عبدالله صالح، ابن عمّ أحمد، الذي أنشأ أخيرا كيانا سياسيا، إضافة إلى امتلاكه قوّة عسكرية تقاتل الحوثيين على جبهات عدّة، خصوصا في محيط الحديدة.
من المفيد معرفة هل من دور مستقبلي لأحمد علي عبدالله صالح الذي فرض عليه مجلس الأمن عقوبات ظالمة بناء على طلب “الشرعيّة”. إن اللقاء الذي عقده ليندركينغ مع نجل الرئيس السابق، على الرغم من قرار مجلس الأمن، يشير إلى أنّه رجل منفتح، خصوصا أن أحمد علي عبدالله صالح كان يقود “الحرس الجمهوري” الذي ضمّ في مرحلة معيّنة نحو 20 لواء عديدهم نحو 50 ألف عسكري مدرّبين تدريبا جيّدا. كذلك، لدى أحمد علي عبدالله صالح قدرات في مجال تحسين الإدارة اليمنية وقد أثبت ذلك في السنوات التي كان في صنعاء في وضع المؤهّل لخلافة والده… علما أن فكرة التوريث في الأنظمة الجمهورية موضوع أخذ وردّ طويلين.
من هذا المنطلق، يمكن القول إن ليندركينغ يستكشف آفاقا جديدة يمكن أن تساعده في إيجاد تسوية لا تستبعد أحدا في اليمن. ربّما بدأ يدرك أن لا أحد يلغي أحدا في اليمن وأنّ “الشرعيّة” لا يمكن أن تقتصر على عبدربّه منصور وأفراد عائلته والمجموعة المحيطة به وعلى الإخوان المسلمين المنضوين في حزب التجمّع اليمني للإصلاح، الذين سيطروا عليه سيطرة تامة بعد وفاة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر أواخر العام 2007.
ثمّة من يقول إن الشيخ عبدالله، زعيم قبيلة حاشد التي استطاع الحوثيون تشتيتها، كان جزءا من الإخوان وإنّه أدّى القسم الخاص بتنظيم الإخوان قبل وفاته. لكن ذلك لا يمنع الاعتراف بأنّه كان زعيما قبليا وشخصيّة وطنيّة قبل أيّ شيء آخر وصمّام أمان في العلاقة بين حزب الإصلاح من جهة وما كان يمثّله علي عبدالله صالح من جهة أخرى على صعيد اليمن كلّه.
يمكن التوقف عند نقاط عدّة وردت في شهادة ليندركينغ، بما في ذلك إشارته إلى وجود أكثر من سبعين ألف أميركي يعملون في المملكة العربيّة السعودية وأنّ هؤلاء تهددهم صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيّرة، مثلما تهدّد المواطنين السعوديين. شدّد هنا على أن واجب أميركا حماية مواطنيها وأن الخطر الذي يتهدّد الأميركيين يثير قلقه ويجعله يفقد القدرة على النوم أحيانا.
تبدو مقاربة المبعوث الأميركي للأزمة اليمنية مقاربة علمية إلى حد كبير، خصوصا عندما يتطرّق إلى المأساة الإنسانية. لكنّه يبقى أن ليندركينغ طرح سؤالا في غاية الأهمّية هو الآتي: “علينا أن نسأل أنفسنا هل الحوثيون مهتمّون بالسلام جدّيا وذلك في حال تابعوا التقدّم في اتجاه مدينة (مأرب) حيث واجهوا مقاومة قويّة؟”. يشير ليندركينغ في هذا المجال إلى سلوك الحوثيين العدائي تجاه مأرب، على الرغم من “مبادرة السلام التي قدّمتها السعودية في 22 مارس الماضي وعرضها تخفيف إجراءات الحصار على ميناء الحديدة ومطار صنعاء ووقفا شاملا لإطلاق النار” في البلد كلّه.
ماذا يريد الحوثيون؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه ليندركينغ الذي كان من الأجدر به الذهاب إلى أبعد من ذلك والتساؤل ماذا تريد إيران في اليمن؟
في انتظار الحصول على جواب عن هذا التساؤل سينتظر المبعوث الأميركي طويلا، اللهمّ إلّا إذا كانت لديه وسيلة ضغط على إيران تجبرها على إعادة النظر في حساباتها اليمنية.
ما يقوله الذين يعرفون القليل عن اليمن أن ليندركينغ لم يترك في شهادته مجالا للشكّ في العلاقة العضوية بين الحوثيين وإيران التي لم تفوت فرصة لإظهار أن استثمارها في هذا البلد هو استثمار ناجح وأنّه آن أوان قطف ثماره في المفاوضات مع الإدارة الأميركية في شأن العودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن “الجمهوريّة الإسلاميّة”.