بقلم: مورين داود – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – علاقة أفغانستان بالزمن معقدة، وعلاقة أميركا بالانتقام معقدة، ومن العلاقتين نشأت المأساة. فزعماء «طالبان» يقولون إن «الأميركيين لديهم كل الساعات، لكن لدينا كل الوقت». وغزونا أفغانستان في ظل مد من الحزن والغضب بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر لمطاردة أسامة بن لادن، ومعاقبة «طالبان» على السماح له بتحويل متاهة من الكهوف إلى منصات شن هجمات على أميركا.
ورغم الدروس التي تعلمها السوفييت في عشر سنوات في محاربة مقاتلين أشباح يختفون في الجبال، لم يستوعب المسؤولون والجنرالات الأميركيون الحقيقة البسيطة المتمثلة في أننا خاسرون على كل حال، حتى في المعارك التي فزنا بها. فما الانتقام الذي حققناه من انفضاض حفل زفاف في لمح البصر بسبب ضربة جوية أميركية؟ وكم من عدو اكتسبناه في محاولة مساعدة أفغانستان؟
لقد استبد الجهل والغطرسة بإدارة بوش حين احتلت هذه البلاد. واعتقد المسؤولون أن بوسعهم نسف الناس الذين يكرهوننا حتى لا ينظروا إلينا شزراً مرة أخرى، ونصبح قوة عظمى مزدهية بنفسها. حتى باراك أوباما الذي كان مدركاً بقوة لعقم غزو العراق، استدرجه الجيش حتى عزز عدد القوات بلا جدوى في أفغانستان إلى ما يقرب من ثلاثة أمثال العدد السابق عام 2009.
وأتذكر تجولي في أفغانستان والعراق مع روبرت جيتس، وزير الدفاع في إدارة أوباما، محلقين فوق جبال تكسو قممها الثلوج جعلت أفغانستان حصناً طبيعياً ومقبرة الإمبراطوريات. وسألته إذا ما كان الرئيس يحركه الجنرالات، آنذاك قال «جيتس»، بين أشياء أخرى، «لا أحد يعرف كيف سينتهي الفصل الأخير». وها نحن قد أصبحنا في الفصل الأخير، والأمور تبدو كئيبة ككل الفصول الأخرى من هذا الاحتلال غير الموفق. حتى حينذاك كان من الواضح أن محاولتنا لتحويل أفغانستان والعراق إلى نموذج للديمقراطيات لم تكن لتمضي مضياً حسناً. وأثناء التجول في هذه البلاد لم يكن يغادر «جيتس» تقريباً المناطق الآمنة الصغيرة.
كان يجب أن نحترم سمعة أفغانستان باعتبارها مقبرة الإمبراطوريات، وأن نصدق أن باكستان تستحق سمعتها باعتبارها مزدوجة الصفقات. لقد خدعنا غلاف مجلة «تايم» في ديسمبر 2001 بعنوان جاء فيه «الأيام الأخيرة لطالبان». فقد قضينا 20 عاماً نقاتل أفغانستان. لكن مع الأخذ في الاعتبار عدم تحقيقنا أي تقدم في التعلم، كان كل عام لنا في أفغانستان هو العام الأول. وعشنا عامنا الأول عشرين مرة، نرتكب الأخطاء نفسها مراراً وتكراراً. كما حدث في فيتنام، كان كثيرون ممن كانوا في المسؤولية يعلمون لفترة طويلة أن الحرب لا يمكن الفوز بها، لكنهم أخفوا الأدلة وقدموا توقعات وردية، بينما يهدرون 2.2 تريليون دولار ومئات الآلاف من الأرواح.
فقد قال الجنرال الأميركي «دوجلاس لوت»، المستشار البارز في حرب أفغانستان أثناء إدارتي بوش وأوباما، في مقابلة عام 2015 بشأن «أوراق أفغانستان» السرية التي كانت تمثل بحثاً عن كيفية فشل الأوضاع «ما الذي نحاول القيام به هنا؟ ليس لدينا أدنى فكرة عما نضطلع به». والأسبوع الماضي وبطريقة عبثية، طالب كثيرون من مسؤولي إدارة بوش ومحافظون جدد ممن ألقوا بنا في هذه الورطة في المقام الأول، الرئيس جو بايدن بعدم الانسحاب. إنهم يعيشون حياة مترفة، بينما أهينت قواتنا بسبب استراتيجياتهم نصف الناضجة وغير المخلصة.
فقبل أن نرسل قواتنا من الشباب إلى الخارج ليلقون حتفهم، يتعين علينا أن نتعلم من التاريخ ونفهم ما نقوم به ولا نتصرف ببساطة منطلقين من مشاعر الانتقام. فقد كان جو بايدن- في منصب نائب الرئيس سابقا- هو الصوت الوحيد المعارض في المكتب البيضاوي لزيادة القوات في أفغانستان. وأخبر أوباما أنه إذا أعطى الفرصة للجنرالات، فإنهم سيقيدون حركته ويطيلون أمد الحرب. وهذا ما انتهى بنا الحال إليه مع «حرب أبدية» ومناورة أصبحت استنزافية ذاتياً للطاقة، يجري فيها إعادة تحديد الأهداف إلى الأبد. وستصبح أفغانستان درساً آخر في أخطاء قادة يحول تضخم ذواتهم دون تخيل أنهم يشاركون في فشل، لذا يحاولون تلوينه بلون النجاح.
كدست الولايات المتحدة أسلحة قادرة على قتل الناس أينما أرادت. ولديها طائرات مسيّرة وقنابل يمكنها نقلها وإسقاطها في أي مكان نريد. لكن الولايات المتحدة لم تكلف نفسها قط مشقة حساب باقي المعادلة. وبايدن محق في تجاهله تحذيرات خاصة بما سيحدث حين نغادر مثل أنه لا يمكن الثقة في «طالبان» وصفقة تقاسم السلطة مع «طالبان» لن تجدي نفعا. فقد قال بايدن «الحجة الأساسية للبقاء أطول هي تلك التي واجهها سابقي الثلاثة من رؤساء أميركا، وهي أن لا أحد يقول إنه يجب علينا البقاء في أفغانستان إلى الأبد، لكنهم كانوا يصرون على أن الآن ليس اللحظة الصحيحة للمغادرة. إذن متى ستأتي اللحظة الصحية للمغادرة؟ سنة أخرى؟ سنتان أخريان؟ عشر سنوات آخر؟ عشرة أو عشرون أو 30 مليار دولار تضاف إلى تريليون أنفقناه بالفعل؟ ليس الآن، هذه هي العبارة التي وصلنا بها إلى هنا».
نأمل أن تكون خبرتنا في أفغانستان هي نهاية جنوج أميركا إلى الاعتقاد بأن بوسعها القيام بما تريد بجيشها دون التفكير في العواقب.