الرئيسية / مقالات رأي / لبنان والاستعصاء السياسي

لبنان والاستعصاء السياسي

بقلم: د. فايز رشيد – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – يعيش لبنان أزمة سياسية واقتصادية خانقة تتفاقم يوماً بعد يوم، بسبب عدم القدرة على تشكيل حكومة على مدى أشهر متواصلة، وهو ما يجعل اللبنانيين والعرب ومحبّي لبنان في العالم يعيشون حالة من القلق على مستقبل هذا البلد العربي. فعملياً يعيش إخوتنا في لبنان حالة من عدم اليقين بعد اضمحلال الأمل في الخروج من مأزق الاستعصاء السياسي الذي يعصف بالبلاد. 

وكل ذلك بسبب الخلافات بين فئاته المنقسمة على نفسها بسبب المحاصصة الوزارية التي أصبحت شغلها الشاغل، بدلاً من إدارة الوطن بما يخدم الصالح العام. والأخطر أن اللبنانيين يعيشون بالفعل، أزمة معيشية لم يشهدها المواطن اللبناني من قبل حتى في ظل الحرب الأهلية المؤسفة التي جرت في هذا البلد على امتداد 15 عاماً.

هذه الأزمة التي تعصف بلبنان تؤثر  بالضرورة  على استقرار الدولة التي ما تزال رهينة لعقلية المحاصصة الطائفية وتبعاتها التي تجعل الاتفاق على المصلحة الوطنية بين الفرقاء، خاضعاً لحسابات الربح والخسارة؛ إنْ في النفوذ أو المكتسبات. ليت الأمر يقف عند حدود الاختلاف في الداخل، فقد أضحى لبنان ساحة لتدخل دول عديدة في شؤونه تلميحاً وتصريحاً في العديد من المناسبات.

وليس أدل على ذلك مما تناقلته وسائل إعلام مؤخراً عن تفكير عدد من الدول الغربية بفرض عقوبات ضد شخصيات لبنانية لإخفاقها في تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ إصلاحات اقتصادية عاجلة، تنقذ البلاد من الدخول في نفق مظلم. وللدلالة على خطورة الوضع، فقد شبّه رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، بلاده بـ«سفينة تايتانيك التي إن غرقت فلن ينجو منها أحد».

والسؤال الأهم: ماذا ينتظر ساسة لبنان، بعد استقالة الحكومة اللبنانية السابقة إثر الانفجار الذي ضرب مرفأ بيروت ودمّر جزءاً من العاصمة؟ 

ومنذ ذلك الحين ما يزال لبنان يعاني جموداً سياسياً وما يتبعه من تعطل ديناميكية مؤسسات الدولة؛ لذا يتوجب على العقلاء في رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، وقف تبادل الاتهامات وتغليب المصلحة الوطنية العليا على المكاسب الخاصة، وصولاً إلى تفاهمات ملزمة إن أرادوا للسفينة أن تُبحر وألا تغرق بكل من على متنها. عليهم أن يمعنوا في حقيقة: أن الديْنَ العام اللبناني وصل إلى نحو 100 مليار دولار، وهو رقم تعجز دول كبرى عن التعامل معه في الظروف العادية، فما بالك بدولة صغيرة مثل لبنان ومواردها المتواضعة.

أضف إلى كل ذلك، أن الأمر يأتي والعالم يعيش تداعيات نتائج وباء كورونا الذي أرهق الدول وشعوبها (وما يزال) صحياً واقتصادياً، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مع العلم بأن الهبوط الصاعق لقيمة الليرة اللبنانية لأكثر من 70 إلى 80% من قيمتها، مقابل الدولار، قد وضع شرائح عديدة في المجتمع اللبناني في مهب الريح، والقادم أعظم مع الارتفاع الخيالي لأسعار المواد الأساسية، خصوصاً الغذائية؛ بل إن البعض بات يخشى خطر الجوع. 

تفاقمت البطالة أيضاً في لبنان ووصل العجز إلى نسبة غير مسبوقة تقترب من 40%. على قادة لبنان جميعاً، ومختلف القوى السياسية، التحرك اليوم قبل غد، وألا يتركوا أنفسهم رهائن المكتسبات مع خطر الانهيار الاقتصادي للبلاد. فلن يرحمهم التاريخ إن أخفقوا في وضع لا يحتمل الانتظار. لبنان يستحق أكثر من واقعه المرّ بكثير.. لقد قامت تظاهرات شعبية كثيرة في أغلبية المدن والمناطق اللبنانية، طالب المتظاهرون فيها بتفعيل أجهزة القضاء، وملاحقة الفاسدين الذين أسهموا في تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وارتفاع سعر صرف الدولار. وطالب المتظاهرون بتشكيل حكومة انتقالية لإخراج البلاد من أزمتها، وبتفعيل أجهزة القضاء وملاحقة المتسببين في إهدار المال العام.

وشاركت سيدات لبنان في مسيرات حاشدة أيضاً في المدن، خاصة بيروت، تعبيراً عن سخطهن وغضبهن من الطبقة السياسية الحاكمة في بلد يشهد أزمة اقتصادية وسياسية خطرة، وكتبن على إحدى اللافتات التي رفعنها: «أحلى هدية بعيد الأمهات هو تشكيل حكومة».. ولافتات أخرى كثيرة تندد بالوضع الحالي.

في لبنان تتصارع مصالح دول إقليمية وغربية، وتتلاقى مع الصراع على المحاصصة الطائفية كي تبقى البلاد تجتر الخوف والفقر والفساد ونهب المال العام، وأسوأ أزمة اقتصادية تشهدها في تاريخها، بانتظار تشكيل حكومة جديدة تبدو في عالم الغيب حتى الآن.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …