بقلم: أمل عبد الله الهدابي – صحيفة البيان
الشرق اليوم- أخذت العلاقات بين إيران والولايات المتحدة (وحلفائها) مساراً تصعيدياً ملحوظاً في الأيام الماضية، بالتزامن مع انطلاق محادثات ممثلي الأطراف المشاركة في الاتفاق النووي الموقّع عام 2015 في فيينا، لحث الولايات المتحدة على العودة إليه، وتمثلت أبرز ملامح هذا التصعيد في إعلان طهران أنها تنوي «البدء بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 %»، بعد يومين من عملية «تخريب»، استهدفت مصنع «نطنز» لتخصيب اليورانيوم، اتهمت إيران إسرائيل بالوقوف خلفها، وقيام الرئيس الإيراني حسن روحاني رسمياً بتدشين سلسلة من 164 جهازاً للطرد المركزي من نوع «آي آر- 6» في منشأة «نطنز» النووية، في مخالفة صريحة لبنود اتفاق 2015.
هذا المسار التصعيدي لا يخرج في حقيقته عن كونه محاولة من كل طرف، لتحسين وضعه التفاوضي، وفرض إملاءاته في أي حوار منتظر، أو قائم بالفعل، بشأن عودة واشنطن من جديد للاتفاق النووي، الذي انسحبت منه إدارة ترامب في عام 2018 بعد اتضاح جوانب الخلل والقصور التي يعانيها، فإيران تشترط قيام واشنطن برفع كامل للعقوبات، التي فرضتها إدارة ترامب، والعودة من دون أي شروط للاتفاق، في حين ترغب الولايات المتحدة في عودة طهران إلى الالتزام بتعهداتها بموجب الاتفاق أولاً، وإن كانت قد أبدت مؤخراً بعض المرونة، من خلال إعلان استعدادها لرفع العقوبات المفروضة على إيران، من أجل العودة للامتثال للاتفاق النووي، بما فيها تلك العقوبات التي لا تتسق مع الاتفاق الموقّع في 2015.
والواضح وسط هذا التصعيد بين الجانبين أن هناك مساراً تفاوضياً يتحرك في اتجاهه البلدان، بدأ التمهيد له في اجتماعات فيينا الأخيرة، وأن هدف كل طرف هو إظهار أوراق القوة لديه، لإجبار الطرف الآخر على تقديم التنازلات التي يريدها.
وهذا المشهد يعيدنا إلى أجواء ما قبل اتفاق عام 2015، ويطرح للمناقشة مسألة مهمة، تتعلق بالفلسفة، التي قام الاتفاق أصلاً عليها؛ حيث افترضت إدارة أوباما حينذاك أن تقديم التنازلات لإيران وتوقيع الصفقة النووية معها سيحسّن سلوكها، ويقلل خطرها على المنطقة، فتساهلت في كثير من الأمور المهمة والحاسمة لتمرير الصفقة، حيث تجاهلت القضايا الأخرى، التي تشكل مصدر تهديد للمنطقة، مثل التدخلات الإيرانية السلبية في شؤون الدول الأخرى، ودعم طهران للجماعات المتطرفة والطائفية، بهدف السيطرة على القرار في الدول، التي توجد فيها هذه الأذرع والجماعات، كما تساهلت في تطبيق بند الرقابة الدائمة، ووقّعت اتفاقاً مدته خمسة عشر عاماً فقط، معتقدة أن هذه المدة كافية لتحسين سلوك إيران وسياساتها، قبل أن يتضح بعد سنوات قليلة أن كثيراً من هذه الافتراضات كانت خاطئة، وأن إيران استفادت من الصفقة في توسيع نفوذها الإقليمي، وممارسة سياساتها السلبية، ما دفع إدارة ترامب للانسحاب من الاتفاق.
والسؤال المطروح الآن هو: هل تعود إدارة بايدن للصفقة الأولى نفسها بكل المشكلات التي انطوت عليها؟ وهل ترتكب الأخطاء نفسها التي وقعت فيها إدارة أوباما، وفي مقدمتها استبعاد دول المنطقة المتضررة من السلوك الإيراني من أي مفاوضات جديدة، ومواصلة الفصل غير المنطقي، وغير المقبول بين برنامج إيران النووي، وباقي الملفات الأخرى المثيرة للجدل، وأهمها التدخلات الإيرانية في المنطقة؟! إذا حدث هذا فحتماً ستكون هذه الصفقة محكومة بالفشل من جديد، فلا يجب أن نعيد التجربة نفسها أو نتوقع نتائج مختلفة.
إن الوصول إلى اتفاق جديد يعيد الثقة إلى مختلف الأطراف، ويتجاوز المشكلات السابقة، ويحقق الأمن الإقليمي المنشود، يتطلب مقاربة جديدة، تأخذ بعين الاعتبار مصالح ومخاوف جميع الأطراف، وهو ما يتطلب الدعوة من جديد إلى إشراك دول المنطقة في أي مفاوضات جديدة؛ لأنها طرف أصيل في معادلة الأمن الإقليمي، وينبغي ألا يبعدنا دخان التصعيد الحالي عن هذا الهدف المحوري لتحقيق الأمن المستدام في المنطقة.