افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تدخل تونس أزمة دستورية وسياسية غير مسبوقة، على خلفية الصراع المحتدم منذ أشهر عدة بين الرئيس قيس سعيّد من جهة، و«حركة النهضة» الإخوانية، ورئيس الوزراء المدعوم منها هشام المشيشي، من جهة أخرى.
الخلاف حول صلاحيات الرئيس هو الوجه المعلن للأزمة، لكن أساس الخلاف هو سياسي بامتياز، بعدما لاحظ الرئيس سعيّد الذي انتخب بتأييد شعبي واسع، وتمكن منفرداً من تحدي وهزيمة كل الأحزاب السياسية، أن «حركة النهضة» تحاول تقليص صلاحياته، والسطو على القرار السياسي لتونس، وبالتالي الهيمنة على مقدرات البلاد.
الخلاف الدستوري هو الوجه المعلن للأزمة التي بدأت مع الفشل في تعيين المحكمة الدستورية التي كان من المفترض تأسيسها منذ صدور دستور تونس الجديد عام 2014، ما أدى إلى أزمات قانونية ودستورية عدة، آخرها التعديل الحكومي الذي حاول المشيشي تمريره في يناير/ كانون الثاني الماضي، ورفضه الرئيس سعيّد.
وتتكون المحكمة من 12 عضواً، يعيّن الرئيس أربعة منهم، ويختار المجلس الأعلى للقضاء أربعة، كما يختار البرلمان الأربعة الباقين، لكن الأخير فشل في الاختيار الذي يستلزم حصول المرشح على أصوات ثلثي أعضاء البرلمان، الأمر الذي لم يتوفر.
واندلع الخلاف الأخير بعد أن أعلن الرئيس سعيّد خلال الاحتفال بعيد قوات الأمن قبل أيام، وبحضور المشيشي رئيس الوزراء، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، (رئيس حركة النهضة)، أنه «رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية والمدنية، ولا أميل إلى احتكار هذه القوات، لكن يجب احترام الدستور»، ما أثار حفيظة المشيشي، والغنوشي، وأحزاب أخرى موالية لهما، معتبرين أن الرئيس خرق الدستور، وتجاوز صلاحياته. لكن بسبب غياب المحكمة الدستورية فلا توجد أية جهة قانونية يمكن أن تفصل في هذا الخلاف، حيث يؤكد الرئيس سعيّد، وهو أستاذ في القانون الدستوري، أنه يلتزم بالنص الدستوري، مستشهداً بما ورد في فصول الدستور منذ أيام الرئيس بورقيبة، وفي فصول الدستور الحالي حول صلاحيات رئيس الجمهورية.
أمام هذا الوضع، حيث الأزمة الدستورية والسياسية تتفاقم، متبوعة بأزمات اقتصادية ومالية واجتماعية خانقة باتت تثقل كاهل التونسيين، إضافة إلى إصرار «حركة النهضة» على الهيمنة على القرار، فإن تونس تبدو أمام فراغ مؤسساتي، كما أن الديمقراطية التي حققتها ثورة الياسمين باتت في خطر فعلي.
لقد ابتلي الشعب التونسي منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي، بوجود أحزاب تتكالب على السلطة فقط، وتحديداً «حركة النهضة»، من دون اهتمام بالشعب وحقوقه، وتنفيذ المطالب التي ثار من أجل تحقيقها، خصوصاً القضايا الاجتماعية والحياتية، والقضاء على البطالة، وتحقيق التنمية.
إن تونس أمام وضع لا تحسد عليه أبداً، في مشهد شبيه بمشهد الأزمة في لبنان.