بقلم: أنس بن فيصل الحجي – اندبندنت عربية
الشرق اليوم- انخدع بعض المعلقين ووسائل الإعلام بإعلان الصين تحقيق أعلى نسبة نمو اقتصادي في تاريخها في الربع الأول من العام الحالي: 18.3 في المئة. واستنتجوا بناءً على ذلك أن أسعار النفط ستستمر بالارتفاع. إلا أن الواقع غير ذلك. فهذه النسبة تأتي مقارنةً بالربع الأول من عام 2020، عندما اجتاح فيروس كورونا الصين، وتحول نمو الناتج المحلي إلى السالب، للمرة الأولى في تاريخ الطفرة الصينية الحديثة. ففي أواخر 2019، كان متوقعاً أن تحقق الصين نمواً بأكثر من 6 في المئة في الربع الأول من 2020، إلا أن الذي حصل هو انخفاض النمو بنسبة 6.8 في المئة. إذاً هناك فرق حوالى 12 في المئة عن التوقعات، ومن ثم فإن الزيادة الحقيقية هي حوالى 6 في المئة فقط، والتي تتناسب مع التوقعات السابقة. إلا أنه يجب توخي الحذر حتى مع هذه 6 في المئة. فقد أدى إغلاق الاقتصاد الصيني في الربع الأول من عام 2020 إلى تراكم الطلبيات على المصانع الصينية من شتى أنحاء العالم، وعندما تم فتح الاقتصاد لاحقاً عملت المصانع الصينية ليل نهار للإيفاء بهذه الطلبيات. لولا هذا التراكم، لكان النمو أقل من ذلك. كما أنه لا يمكن تجاهل الحزم التحفيزية التي قدمتها الحكومة الصينية لإنعاش الاقتصاد.
باختصار، ما زال نمو الاقتصاد الصيني ضعيفاً، وليس هنا أدلّ على ذلك من مقارنة معدل النمو الاقتصادي في الربع الأول من عام 2021 بمعدل النمو الاقتصادي في الربع الرابع من 2020: 0.6 في المئة فقط! كما أن النمو الذي حققته الصين، 18.3 في المئة، أقل مما توقعه الخبراء والمحللون، حيث أوضحت استبانة أجرتها وكالة “رويترز” أنهم يتوقعون نمواً قدره 19 في المئة.
لا شك في أن هناك انتعاشاً في الاقتصاد الصيني، وتؤكد ذلك بيانات شهر مارس (آذار) الماضي، إلا أن النمو ما زال منخفضاً والمشكلات كثيرة.
مشكلة الصين حالياً ليست آثار وتبعات انتشار فيروس كورونا داخل الصين، وإنما انتشاره والإغلاقات الناتجة منه عالمياً. الاقتصاد الصيني ما زال يعتمد على الصادرات، فإذا أغلقت الدول الأخرى اقتصاداتها، فإن وارداتها ستنخفض. وقد يحتجّ البعض بأمرين، الأول انتعاش الصادرات الصينية وارتفاع الانتاج الصناعي. والرد على ذلك بأن الانتعاش مرتبط بفكرة تأخير الطلبيات المذكورة أعلاه. والثانية الأخبار الواردة عن انتعاش حركة الطيران وعودته إلى ما كان عليه قبل كورونا في الصين. المشكلة هنا هي أن نمو بعض القطاعات في الصين مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتحفيز الحكومي، وهذا التحفيز سيتوقف قريباً، لهذا يتوقع الخبراء والمحللون أن تحقق بعض القطاعات تباطؤاً ملحوظاً، إلا إذا جددت الحكومة هذه الحوافز. هذه القفزة في حركة الطيران والسفر الجوي تباطأت في الأيام الماضية مع وقف الرحلات إلى دول عدة بسبب عمليات الإغلاق في بعض الدول، أو بسبب الخوف من انتشار كورونا فيها.
خلاصة القول هنا إن نمو الطلب على النفط ما زال ضعيفاً، وأنه علينا ألا ننخدع بعناوين وسائل الإعلام الكبيرة لنمو الصين بمقدار 18.3 في المئة.
دور الصين في أسواق النفط
ولعبت الصين دوراً كبيراً في إنعاش أسواق النفط منذ بداية الألفية، وتحولها من مصدرٍ صافٍ للنفط، إلى مستوردٍ صافٍ، ثم تحولها تدريجاً إلى أكبر مستورد للنفط في العالم. ونظراً إلى نقل المصانع من أوروبا وأميركا واليابان إلى الصين في التسعينيات، فارتفع بقوة طلب الصين على الطاقة بشكل عام والنفط والغاز بشكل خاص. تاريخياً، كان هناك عجز في الكهرباء، الأمر الذي أسهم في زيادة التوليد الخاص، بخاصة في المصانع الصغيرة، والذي غالباً ما يعتمد على زيت الوقود أو الديزل، الأمر الذي رفع الطلب على النفط بشكل لم يتوقعه أغلب المحللين، ما جعلهم يشككون في بيانات الصين. ولكنهم لو عرفوا دور التوليد الخاص لتبيّن لهم أن البيانات كانت صحيحة. وإذا أضفنا السوق السوداء لمنتجات شتى وقتها، فإن البيانات الحكومية ربما تكون أقل من الحقيقة.
من جهتها، أدركت الحكومة الصينية حجم المشكلة، فأرسلت شركات النفط الصينية للاستثمار في حقول النفط حول العالم. وساعدتها على ذلك العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية على بعض الدول، كما ساعدتها جهود اليمين المسيحي لإجبار الشركات الغربية على مغادرة بعض البلاد. كما أن المخاوف الأمنية والبيئة وارتفاع المخاطر، جعلت بعض شركات النفط الغربية تتردد في الاستثمار في بعض البلاد، فانتهزت شركات النفط الصينية هذه الفرصة واستثمرت فيها.
ويمكن إجمال أثر الصين في أسواق النفط في النقاط التالية:
1- أن جزءاً من الزيادة الكبيرة في الطلب على النفط في الصين كان طلباً محولاً من أوروبا وأميركا واليابان. هذه الحقيقة لم يدركها عدد من الخبراء والمحللين، بخاصة محللي البنوك وقتها، لهذا فشلت توقعاتهم بأن النفط سيصل إلى 250 دولاراً للبرميل. النماذج الرياضية التي تبنوها للتوقع بُنيت على أساس استمرار معدلات نمو الطلب على النفط التاريخية في الدول الصناعية.
2- هذه المصانع التي نُقلت كانت البذرة للنمو الصيني المحلي، لهذا كان هناك نمو إضافي ناتج عنها. وأسهم ذلك في دعم أسعار النفط بشكل كبير بين الأعوام 2006 و 2008 و 2009 و 2014.
3- قيام شركات النفط الصينية بالاستثمار حول العالم، بخاصة في المناطق التي لا ترغب شركات النفط الغربية بالاستثمار فيها، أسهم في تحسين أمن الطاقة العالمي، ومنع أسعار النفط من الارتفاع إلى مستويات أعلى مما شاهدناه تاريخياً.
4- قيام الصين بالتخزين الاستراتيجي، منع أسعار النفط من الانخفاض إلى أقل ما انخفضت إليه. إلا أن هذا سيشكل مشكلة كبيرة بالنسبة لدول مجموعة “أوبك+”، إذ قامت الصين بالسحب من الاحتياطي الاستراتيجي كلما ارتفعت الأسعار بشكل ملحوظ. وسيتكرر هذا الأمر. ولهذا لن تشهد أسواق النفط سعر 100 دولار للبرميل لأن الصين ببساطة ستغرق الأسواق بالنفط المخزون الذي اشترته سابقاً بأسعار رخيصة. خلاصة الأمر هنا أن الصين تساند “أوبك” في تشكيل أرضية للأسعار عندما تستورد النفط لبناء الاحتياطي الاستراتيجي، ولكنها تحدد سقف الأسعار وحدها عن طريق السحب من الاحتياطي الاستراتيجي. لهذا، إذا أرادت دول “أوبك” أسعاراً أعلى، فعليها تخفيض الإنتاج بشكل كبير عند انخفاض الأسعار، بحيث لا تستطيع الصين بناء مخزونها بالشكل الذي يجعلها القوة الأساسية في السوق التي تحدد سقف الأسعار، بخاصة أن المصافي الصينية، تُعدّ من أكبر مصدري المشتقات النفطية في العالم.