بقلم: موناليزا فريحة – النهار العربي
الشرق اليوم- لم يكن “كوفيد-19” وحده على الأرجح في بال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما اتصل بنظيره التركي رجب طيب أردوغان في التاسع من نيسان (أبريل)، ليبلغه قرار بلاده خفض الرحلات بين بلديهما. رسمياً، اتخذت موسكو هذا القرار لأسباب صحية بعد بلوغ الإصابات بفيروس كورونا رقماً قياسياً في تركيا، مع أكثر من 60 ألف حالة يومياً، ولكن ضمناً يخفي القرار أكثر من صاعق يهدّد علاقة معقّدة بين حليفين لدودين، نجحا حتى الآن في تفكيك ألغام كثيرة اعترضتهما في سوريا وليبيا وكراباخ وأبعد
الإجراء “الصحي” الروسي الذي دخل حيز التنفيذ في 15 نيسان (أبريل) يشكل ضربة لأنقرة التي تعاني واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية، وهروباً قياسياً للرساميل الأجنبية من البلاد بسبب سياسات مالية واقتصادية متقلبة. ونتيجة له، سيتعين على أكثر من نصف مليون سائح روسي، يعتبرون مصدراً أساسياً لقطاع السياحة، إلغاء رحلاتهم بعدما راهنت عليهم أنقرة لإنعاش شواطئ أنطاليا وفنادقها مع بداية موسم الصيف.
ومع ذلك، يبدو هذا الإجراء الذي يأتي في سياق متوتّر بين موسكو وأوكرانيا، وعشية زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لأنقرة، بمثابة تحذير لأردوغان من اللعب بالنار. وليس مستبعداً أن يكون بوتين القلق من تعاون تركي – أوكراني يغيّر موازين القوى التي أرساها ضم موسكو شبه جزيرة القرم، أراد تذكير نظيره التركي بالإجراءات العقابية القاسية التي أنزلها بالاقتصاد التركي عام في 2015 عقب إسقاط مقاتلة روسية قرب الحدود السورية – التركية.
في السنوات الأخيرة، نجح بوتين وأردوغان في تقديم المصالح المشتركة لبلديهما لتجنب مواجهات في سوريا وليبيا وكراباخ حيث دعما معسكرين متحاربين. إلا أنهما أمام اختبار جديد في أوكرانيا التي تجدد التوتر فيها، وحيث تدعم موسكو الانفصاليين في منطقتي لوغانسك ودونتسك، بينما تبيع أنقرة كييف طائرات من دون طيار لمحاربتهم. وفي مؤتمره الصحافي مع الرئيس الأوكراني في أنقرة، لم يتوانَ أردوغان عن تكرار رفضه ضم روسيا للقرم التي تعتبر خطاً أحمر للكرملين، وجدد تأييده انضمام أوكرانيا الى حلف شمال الأطلسي.
غالباً ما رأى المحللون في التعاون التركي مع كييف ورقة يساوم بها أردوغان نظيره الروسي، وسبق له أن استخدمها عندما فترت علاقته بموسكو في شأن إدلب.
وإلى “الطموحات” الأوكرانية لأردوغان، يقلق موسكو والدول المطلة على البحر الأسود، المشروع “الحلم” للرئيس التركي وهو شق قناة إسطنبول التي تصل البحر الأسود ببحر مرمرة، لا لعائداته المالية الضخمة المفترضة، وإنما لأنه يكرس تركيا السلطة الوحيدة للتحكم في حركة المرور عبر المياه، ويتيح عبور السفن الحربية من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأسود. وحالياً يقيد اتفاق مونترو لعام 1936 حركة العبور ويضع شروطاً معيّنة لمرور السفن الحربية من مضيق البوسفور ويحدّد أحجامها وحمولاتها، ولا يسمح لها بالبقاء في البحر الأسود سوى 20 يوماً.
ومثل هذا الممر يشكل نبأ جيداً للولايات المتحدة والدول الغربية لأنه يتيح لها ممراً الى البحر الأسود في حال نشوب نزاع بين أي منها وبين روسيا مستقبلاً.
بين القرنين السادس عشر والعشرين، تواجهت الإمبراطورية الروسية والسلطنة العثمانية وتركيا في أكثر من 12 حرباً، كانت المنافذ البحرية والسيطرة على البحر الأسود وممريه البوسفور والدردنيل، سبباً لأكثرها، ولكن بفضل اتفاق مونترو لم يدخل الجانبان في معارك منذ نحو 100 عام. وإذا كان بوتين وأردوغان اللذان يحاولان إحياء تلك الأمجاد نجحا في التوافق على مسارح عمليات بعيدة، فقد يجدان صعوبة أكبر في التوفيق بين مصالحهما في البحر الأسود، حيث يبدو موقف تركيا أقرب إلى موقف شركائها الغربيين.