بقلم: محمد الرميحي – النهار العربي
الشرق اليوم- عادة يتوجه الكتّاب والمعلّقون لمناقشة موضوع حدث أخيراً، أكان سياسياً أم اجتماعياً أم اقتصادياً يسمى موضوع الساعة. أما الكتابة حول موضوع (افتراضي) مستقبلي فذلك في النادر، وقد يذهب اليه البعض من أجل الإضاءة على احتمالات قد تحدث. أكتب اليوم عن احتمال التطبيع الإيراني الإسرائيلي انطلاقاً من فكرة أصبحت سائدة في دراسة تاريخ العلاقات السياسية، والقائلة بأنه (في السياسة توقع اللا متوقع).
قد يبدو للبعض أن الافتراض في إقامة علاقات مباشرة بين إيران وإسرائيل بعيد عن الحدوث، ذلك في أذهان بعضنا، ولكن إن أخذنا بعدد من الحوادث القريبة في السياسة الدولية، نجد أن ذلك الافتراض ممكن، ومن الغفلة تجاهل وقوعه، هل نذكر القطيعة الأميركية الصينية التي استمرت سنوات، وعند تغيّر الظروف، تغيّرت رأساً على عقب، وأمثلة أخرى لا يتسع المقام لذكرها بالتفصيل. أساس الدافع السياسي الإيراني للتدخل في الجوار هو تأمين نظامها، ذلك مصرّح به من أعلى المرجعيات، وحتى تبيع ذلك الى العامة في بلدان (الاحتلال)، ليس أفضل من تبنٍ لفظي لقضية فلسطين التي يمكن خلفها حشد رأي عام عربي، وتسويغ التدخل الإيراني. وبمجرد الاطمئنان الى عدم الإخلال بالنظام الإيراني من قوى خارجية تسقط كل الذرائع لمعاداة إسرائيل. إيران فقط تستخدم جزءاً من العرب مصيدة متقدمة للدفاع عن نظامها، وليس كما يرى البعض المغرر بهم عزماً على (تحرير فلسطين)! فليست لها قدرة ولا حتى رغبة في ذلك، كما أن أمن إسرائيل خط أحمر للغرب، وهو كذلك للصين وورسيا.
ماذا تربح كل من إيران وإسرائيل؟ وماذا تخسران؟ في حال التطبيع بينهما؟ فلنبدأ بماذا تخسر أي منهما؟ إيران لا تخسر شيئاً بالمرة، بل توفر بعض المال الذي ترسله لأذرعها العربية في العراق ولبنان وسوريا واليمن وغزة، ذلك المال سينفق، كما يرغب الشارع الإيراني، على مشاريع التنمية المحلية، وذاك مكسب للجمهور الإيراني، غير ذلك فهي لن تفاوض على أرض إيرانية، ولا على مصالح إيرانية، وعلى العكس من الشائع، فإن الخطوة سوف تستقبل بإيجابية شديدة في الأوساط الإيرانية على اختلاف اجتهاداتها، لأن الرأى العام الإيراني لا يكنّ عداءً لإسرائيل، والدليل على تلك الحقيقة أن المرحلة السابقة للحكم الحالي، أي نظام الشاه محمد بهلوي، كانت له علاقة متميزة بإسرائيل سياسياً واقتصاديا وثقافياً، ولم يكن هناك أي إشارة الى رفض شعبي إيراني لتلك العلاقة، وهناك اليوم من المسؤولين الإسرائيليين وغيرهم ممن كانوا في إيران يتكلمون الفارسية، وثقافتهم ما زالت كذلك، ويشكلون جسراً معقولاً لأي علاقات قادمة، بل هناك منشورات من أكاديميين إسرائيليين يروّجون لأهمية تلك العلاقة بل وضرورتها في المستقبل لأمن إسرائيل.
من جانب آخر، سوف تربح إيران مساندة كبيرة على الساحة العالمية بسبب ما تمثله القوة (الإسرائيلية \ اليهودية) في عواصم العالم من ثقل، وتزيح عنها الكثير من الضغوط من خلال مشروع السلام الذي أقدمت عليه، فإن تم الوفاق مع إسرائيل، فلن يبقى شيء يُعيق علاقات اقتصادية وثقافية مزدهرة.
وماذا تخسر إسرائيل في تلك الحالة؟ أيضاً تقريباً لا شيء، فهي سوف تؤمن عدم توزيع البروباغندا المضادة لها أو إرسال السلاح الى القوى التابعة لإيران بجوارها، ولن تنزعج من تسليح إيران، لأن ذلك السلاح ليس موجهاً لها، عدا أنها سوف تكسب سوقاً واسعة وقابلة للتعامل معها بمستوى لا يتوفر في الأسواق المحيطة. الخاسرون بالطبع هم من يسمون أنفسهم (محور المقاومة) وهي تسمية افتراضية لا أكثر، فـ”حزب الله” في لبنان، وإن بقي ضرورة للنفوذ الإيراني، إلا أن سلاحه سوف ينكشف أكثر مما هو الآن، هو منكشف الآن للخاصة، ولكن العامة ما زال يمكن بيعهم فكرة (حرب إسرائيل) والتي هي افتراضية، فإن طبعت القيادة الأم في طهران لا يستطيع التابع لها إلا أن يبرّر التطبيع، ولن يفتقد المبرر، أما النظام السوري فهو منذ الآن قابل للتطبيع شرط بقائه في السلطة، عدا ذلك، فإن الشعارات تُبدّل بشعارات أخرى، وقد سمعنا قبل ذلك بشعار (سلام الشجعان)، فلماذا لا يتكرر!! الحوثي في كل الأحوال في مأزق، فاستحالة أن يحكم اليمن هي استحالة واقعية، وإن هيأت له أوهامه ذلك، ولكن بالتطبيع سوف يلغي شعار (الموت لإسرائيل) كما ألغى شعار (الموت لأمريكا) منذ بضعة أسابيع.
عند حساب الخسارة والربح، فالخاسر الأكبر هم العرب في وطنهم السوري واللبناني والعراقي واليمني، أعني الجمهور الواسع الذي شرّد أو قتل أو جاع، مع الاعتراف بأن بعض قادة تلك القوى حاملة شعار (إيران أولاً) هم أيضاً في خانة الخاسرين، مع خسارة أوطانهم. هل هذا السيناريو محتمل؟ عندما تفكر بشيء من الواقعية وتبعد العاطفة، فإن ذلك ممكن، الفرق في التوقيت!! فلا أقرب من وُد الضدين إلا بعد احتدام المنافسة.