بقلم: حسام ميرو – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تذهب بعض اهم التحليلات حول أسباب سقوط الاتحاد السوفييتي في عام 1991، إلى اعتبار عدم قدرته على الوصول والتحكّم في موارد الطاقة، السبب الأول والأهمّ الذي أدى إلى نهايته، انطلاقاً من اعتبار موارد الطاقة هي الأساس في النفوذ الدولي، خصوصاً مع ازدياد الاستهلاك العالمي للطاقة، نظراً للتطور الكبير الذي عرفته البشرية على مستويات عدة، من مثل التكنولوجيا والنقل وتعميم أشكال التدفئة المركزية والصناعات التحويلية، وهذا الرأي المستند إلى الاقتصاد السياسي لا يجانب الصواب، فقد تمكنت الولايات المتحدة خلال فترة الحرب الباردة من وضع يدها بشكل مباشر، أو غير مباشر، على أهم منابع الطاقة في العالم، ما مكّنها فعلياً من تحقيق فجوة كبيرة بينها وبين منافسها السوفييتي.
الهيمنة على منابع الطاقة والثروات المعدنية هي العصب الرئيسي لحركة الصناعة العالمية، ولم تقل أهمية هذا المبدأ مع التطورات التي فرضتها تطورات العالم الرقمي، بعد ثورتي التقانة والاتصالات، بل زادت أهمية هذا المبدأ نتيجة أسباب عدة، منها زيادة عدد سكان العالم من جهة، حيث ازداد عدد سكان العالم خلال العقود الثلاثة الماضية أكثر من ملياري إنسان، ومن جهة ثانية، فإن الصناعات الرقمية تحتاج إلى كميات كبيرة من المعادن، مثل البلاتين، والإنديوم، والليثيوم، والكوبالت، وأصبح من الضروري أن تؤمّن الشركات الكبرى، في عالم الصناعات الرقمية، احتياجاتها الراهنة والمستقبلية من هذه المعادن، بما يمنحها القدرة والأفضلية على تطوير نفسها.
وتشكّل إفريقيا أحد أهم احتياطات الطاقة والمعادن في العالم، حيث تحتوي على 10% من النفط العالمي، و8% من احتياطات الغاز، والأهم من ذلك أنها أهم مصدر للمعادن الأساسية التي تدخل في صناعة الأجهزة الرقمية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تنتج جمهورية الكونغو الديمقراطية وحدها نحو 50% من معدن الكوبالت، وهو معدن لا غنى عنه في صناعة الأجهزة الرقمية، وانطلاقاً من هذه الأهمية الاستراتيجية المستقبلية لإفريقيا بالنسبة إلى موارد الطاقة والمعادن، فقد زادت حدة التنافس بين الدول الكبرى على القارة السمراء، حتى أصبحت مرشحة لتكون ساحة صراع أساسية في المدى المتوسط بين القوى والشركات الكبرى.
وتراجُع الاهتمام الأمريكي بإفريقيا استغّلته الصين التي وسّعت قاعدة اهتمامها في العديد من الدول الإفريقية، وفي عام 2019، قال تيبور ناجي، مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية «منذ فترة طويلة، يطرق المستثمرون الباب، ويفتح الأفارقة، ويكون الصينيون الأشخاص الوحيدين الذي يقفون هناك»، وبالفعل، فإن الصين استخدمت عدداً من الآليات لتعزيز نفوذها، فقد قدّمت الكثير من القروض طويلة الأجل للحكومات الإفريقية، كما استثمرت بشكل مباشر من خلال «مبادرة الحزام والطريق»، وزادت من حجم تبادلها التجاري مع الأسواق، والذي وصل إلى أكثر من 200 مليار دولار في عام 2020.
وفي الأعوام الأخيرة، أظهرت أوروبا، عبر القاطرة الاقتصادية الألمانية، اهتماماً سياسياً خاصاً بإفريقيا، فقد قامت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في عامي 2019 و2020 بزيارة عدد من الدول الإفريقية، في إطار سياسي اقتصادي استراتيجي، يأخذ في الحسبان ضرورة عدم ترك الساحة الإفريقية للهيمنة الصينية، أو لتوسيع روسيا قاعدة مصالحها في القارة، ومن هذا المنطلق، قامت برلين بالتجديد لبقاء قاعدتيها العسكريتين في مالي والقرن الإفريقي، كما تمتلك تواجداً لقواتها في الكاميرون ونيجيريا وجيبوتي، وعلى المستوى الاقتصادي، تسارعت خلال الأعوام الماضية وتيرة استثمار الشركات الألمانية في إفريقيا، وقد وصل عدد الشركات الألمانية في عموم القارة إلى أكثر من ألف شركة، تتقدمها شركات الصناعات التكنولوجية الكبرى.
وإذا كانت عموم الأوضاع السياسية والأمنية والمعيشية في إفريقيا تتسم بوجود أزمات كبيرة في الحكم والحوكمة معاً، وفي بعض الأحيان غياب الاستقرار السياسي، أو تنامي وجود التنظيمات الإرهابية، فإن هذه الأوضاع نفسها شكّلت فرصة للدول الكبرى، لكن من خلال استراتيجيات عدة، فقد عمدت الصين إلى الاستفادة من الأنظمة السياسية والإدارية والمالية القائمة، لبناء نفوذ مستدام، عبر دعم الأنظمة السياسية، أو تقديم قروض تدرك مسبقاً أن الحكومات ستعجز عن سدادها، في الوقت الذي استخدمت فيه ألمانيا وأوروبا استراتيجيات تقوم على الشراكة في مكافحة الإرهاب، وتنمية المجتمعات المحلية، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، وتوفير فرص العمل، وكلتا الاستراتيجيتين، وإن تباينتا شكلياً، إلا أنهما من الناحية العملية، تعملان لتأمين أكبر نفوذ ممكن.
هل سيكون العقد الحالي هو عقد تنامي الصراعات في إفريقيا؟ لا يبدو هذا مستبعداً، فالصراع على موارد الطاقة والمعادن يزداد أهمية، وحيث توجد هذه الموارد توجد الجيوش والصراعات، وأيضاً الشركات ورؤوس الأموال.