بقلم: د. علي الخشيبان – صحيفة “الرياض”
الشرق اليوم – هل نحن عالقون في تعددية تحليلية لفهم قضية السلاح النووي الإيراني أو كيفية نهايتها؟ في هذا المسار فإن الضبابية تزداد مع كل اقتراب لمناقشة فكرة حصول إيران على سلاح نووي، تربكنا التصريحات الدولية حول القضية، ونكرر السؤال المقلق الذي نخشى نحن دول المنطقة القريبة من إيران مواجهته حاليا، ماذا لو امتلكت إيران سلاحا نوويا بمساعدة أميركا؟ وماذا عن إسرائيل هل ستتقبل هذه الفكرة وتلجأ في النهاية إلى الانحناء أمام الضغط الأميركي لتسمح بمرور إيران إلى الدول المالكة للسلاح النووي؟ وهل لدينا القدرة المبكرة للتنبؤ بأحداث المستقبل لمعرفة حقيقة الزوايا الثلاث للأزمة (إيران، إسرائيل، أميركا)؟
من البساطة الاعتقاد أو حتى القول إن إسرائيل أو أميركا كلاهما لا يرغبان في رؤية إيران نووية، ولكن من الصعب إثبات ذلك أو حتى معرفة الكيفية التي سيتم من خلالها الوصول إلى هذه النتيجة، فعمر الأزمة النووية الإيرانية وتعقيداتها وصورتها الفعلية تدفع إلى التأكيد بأنه كلما طال عمر الأزمة النووية في إيران كلما أصبحت الحلول ليست في متناول طرف وحده، كل ما يقلق هو أنه بمجرد قيام إيران بتجربة نووية واحدة كفيل بأن تضع المناقشات أوزارها ليدخل بعدها العالم العربي وجيران إيران في منعطف جديد في كيفية التعامل مع هذا الجسد النووي الجديد في المنطقة.
قبل أيام تمكنت إسرائيل من القيام بعملية تفجير في المنشأة النووية الإيرانية (نطنز) في إشارة إلى أن إسرائيل قادرة على الوصول إلى هذه المنشآت شديدة الحراسة بكل بساطة، ويعكس ذلك فكرة أن إيران أصبحت اليوم وكراً للجواسيس من كل مكان فمثل هذه العملية يصعب لدولة واحدة القيام بها. لم تعلق الإدارة الأميركية أي تعليق سلبي على هذه العملية ويبدو أن أميركا لم تأمر بها ولكنها لم تسؤها، ومن المؤكد أن لديها علما بالعملية قبل وقوعها، فالسياسية الأميركية تتميز باقتناص الفرص وقد تكون هذه العملية إحدى وسائل الضغط الأميركي على إيران في مسرح المفاوضات التي ما زالت متعثرة إلى حد كبير، ولكن في النهاية ستجلس إيران وأميركا إلى طاولة واحدة، ولكن هل سيؤدي ذلك التفاوض إلى حل مقبول للمنطقة؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نبحث عن إجابته في خضم الأزمة.
البحث عن الكيفية التي سوف تمارس من خلالها أميركا إدارة هذا الملف هو المهم، والأهم أيضا أن أميركا وإسرائيل وحتى الدول الأوروبية لن تكتفي بالتأكيد في أن تستهلك قواهما التفاوضية أو العسكرية في هذه الأزمة لتحقيق هدف واحد فقط وهو منع إيران من امتلاك سلاح نووي، إسرائيل وأميركا كلاهما يرغبان في تحقيق انتصارات على هامش هذه القضية، هذه الفرضية في حال قدرتهما على إيقاف المشروع الإيراني في التوقيت المناسب، ولكن السؤال الأهم يقودنا إلى التفكير جدياً في قدرة كل هذه الدول على إيقاف المشروع الإيراني.
ردود إيران المتحفظة على العمليات التي تجري ضدها سواء من أميركا أو إسرائيل مثيرة للدهشة، وعندما قتلت القوات الأميركية قاسم سليماني كان المتوقع أن يكون ذلك أكبر استفزاز لإيران لكي تتصرف بردود فعل غاضبة، ولكن الذي حدث أن إيران لم تتصرف كما هو متوقع، وهذا أمر مقلق أيضا وينقلنا إلى فرضية أن إيران تعتمد سياسة تتبنى الوصول إلى الهدف النووي بغض النظر عن حجم الخسائر التي قد تتعرض لها، إيران تنتظر وبفارغ الصبر الوصول إلى المنعطف الذي يمكنها من امتلاك سلاح نووي وهي تتحمل الكثير من الأزمات وتخلق الكثير من المشكلات بهدف الوصول إلى هذا الهدف.
منطقياً، أميركا لن تسمح لإسرائيل في كل مرة بمقاطعة جهودها نحو التوصل إلى اتفاق مع إيران من خلال عملية مثل تلك التي حدثت في منشأة نطنز، وفي ذات الوقت لن تسمح إسرائيل أيضا بعزلها عن هذا الملف الذي يحقق لها أهدافا تتجاوز مساحتها جيوسياسيا النووي الإيراني إلى جغرافية العالم العربي بأكمله، فإسرائيل ومنذ زمن ترغب في أن تكون شرطي المنطقة وأن تثبت للمنطقة أنها بإمكانها عصيان أميركا والتصرف وحدها والانتصار على منافسيها في المنطقة.
كل الاحتمالات أصبحت متاحة، فاتفاق نووي جديد مع إيران صعب تحديد متى يمكن أن يحدث، أما الاحتمال الثاني وهو حصول إيران على سلاح نووي وإجراء تجربة نووية يصمت بعدها العالم ليدخل العالم العربي في دوامة جديدة، وهذا الخيار في الحقيقة لن يزعج أميركا في حال فشلت في ترويض إيران نوويا، كون أميركا تستعد لمغادرة منطقة الشرق الأوسط لتتركها بعد ذلك لمن يرغب في القدوم إليها أمام مشكلة تسلح نووي يصعب التنبؤ بنتائجها.