BY: Simon Jenkins
الشرق اليوم – ينتهي تدخل بريطانيا في أفغانستان، وهي الحرب الأطول والأكثر عبثية وغير الناجحة التي خاضتها في السبعين عامًا الماضية، في سبتمبر المقبل، ولكنني أشك في أن أي شخص سيلاحظ الأمر، وذلك لأن الأمم تحتفل بالانتصارات وليس بالهزائم.
فقبل عشرين عامًا، قررت الولايات المتحدة تخفيف غضبها بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 ليس فقط من خلال تفجير قاعدة أسامة بن لادن في الجبال الأفغانية، ولكن من خلال الإطاحة بالنظام الأفغاني بأكمله، وذلك على الرغم من إعلان معتدلي طالبان أن بن لادن «ضيف غير مرحب به» ومطالبة النظام له بالرحيل.
ثم قررت الولايات المتحدة، ليس فقط قصف كابول، بل دعت حلف شمال الأطلسي (الناتو) لتبرير أفعالها باعتبارها مسألة تتعلق بالأمن العالمي، ولذا فإنه لم يكن لبريطانيا أي سبب للانضمام لهذه المعركة، ولكنها انضمت فقط لأن رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت، توني بلير، كان يحب الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش.
وقد جابت القوات الأمريكية والبريطانية البلاد، وشكلت أمراء الحرب أو حكامًا جددًا، وأثناء زيارتي لكابول في ذلك الوقت، تم إخباري بطموح الناتو في القضاء على الإرهاب، وبناء ديمقراطية جديدة، وتحرير النساء، وإنشاء «صديق جديد في المنطقة».
وقد أراد معظم الأمريكيين في ذلك الوقت الخروج من كابول والتركيز على بناء الدولة في العراق، وكان البريطانيون هم الحريصين على البقاء.
وفي عام 2005، كان الجيش البريطاني في وضع إمبراطوري كامل، حيث حاول التقدم جنوبًا بـ3400 جندي، وكان القائد البريطاني، الجنرال ديفيد ريتشاردز، مُصرًّا على أن الأمر يهدف فقط لكسب القلوب والعقول، كما أعرب وزير دفاعه، جون ريد، عن أمله في تحقيق ذلك «دون إطلاق رصاصة واحدة»، ولكن كل شيء حدث بشكل خاطئ، حيث مات أربعمائة وأربعة وخمسون بريطانيًا.
حتى إن الروس، الذين أُجبروا على مغادرة أفغانستان قبل عقد من الزمان، اندهشوا من عدم كفاءة العمليات الغربية هناك، وأعربوا عن سعادتهم بشكل علني، كما أدلى جوردون براون، رئيس الوزراء آنذاك، بتصريح غير منطقي، في عام 2009، قائلًا إن القوات البريطانية تموت في أفغانستان لجعل شوارع بريطانيا آمنة.
ومنذ ذلك الحين، تراجعت معظم دول الناتو، على أمل أن تنقذ الدبلوماسية حكومة كابول، وكذلك إنقاذ الغرب من الإذلال، وتعهد ثلاثة رؤساء أمريكيين بأشكال مختلفة من «زيادة عدد القوات أو الرحيل»، لكنهم افتقروا إلى القدرة السياسية التي تسمح لهم بالمضي قدمًا في تنفيذ قراراتهم، حتى الرئيس الأمريكى جو بايدن قام بتمديد الموعد النهائي من مايو حتى سبتمبر المقبل، حيث فعل كل منهم ما يكفي فقط للحفاظ على النظام العميل في كابول آمنًا دون العودة إلى الحكم الإمبراطوري السابق.
وسيغادر الآن 2300 جندي أميركي، وكذلك 750 جنديًا بريطانيًا (كما قال مصدر دفاعي بريطاني رفيع لصحيفة ذا جارديان: إذا غادرت الولايات المتحدة، فسنضطر جميعًا إلى المغادرة)، وبالنسبة للولايات المتحدة، فقد كانت التكلفة عالية: 2216 قتيلًا وأكثر من 2 تريليون دولار تم إنفاقها، ويُقال إن المليارات من «المساعدات» قد غادرت أفغانستان، وكانت التكلفة التى تكبدها المدنيون الأفغان مروعة، حيث قُدرت ما بين 50-100 ألف حالة وفاة على مدى عقدين من الزمن، وكل ذلك انتقامًا لـ«استضافة» مهاجمي 11 سبتمبر، ولكن هل هذا ما نسميه القيم الغربية؟
وكما قال مسؤول أمريكي كبير، هذا الأسبوع، عندما حدد بايدن موعده النهائي الجديد: «التهديد الذي تفرضه أفغانستان ضد الوطن يعد في مستوى يمكننا التعامل معه»، فأعتقد أن هذا كان هو الحال أيضًا منذ سنوات في بريطانيا كما في أمريكا، ومع ذلك فإننا مازلنا هناك.
ففي حال كان قد تم ترك قيادة طالبان، التي كانت المخابرات الأمريكية على اتصال بها بالفعل، فإنها كانت ستتمكن من التعامل مع بن لادن، حيث كان سيخضع لرقابة أمراء الحرب المحليين والجيش الباكستاني، ولكن كابول اليوم قد باتت بؤرة نشاط تنظيم «داعش».
فما الذي حققه تدخل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة؟ وقد أشار الجنرال السير روبرت سميث، في كتابه «فائدة القوة»، إلى أن الجيوش الحديثة تكاد تكون غير مجدية في حروب مكافحة التمرد، فقد جابت هذه الجيوش الشرق الأوسط من أفغانستان إلى ليبيا، وخلقوا أمة مدمرة واحدة تلو الأخرى، والتبرير الوحيد لبريطانيا هو العبارات المبتذلة الصادرة عن وزارة الخارجية حول التأثير وردع الإرهاب والوقوف في مكانة عالية فى العالم، ولكننا ننتظر اعتذارًا مهمًا فى سبتمبر المقبل.
ترجمة: المصري اليوم