بقلم: عبدالله الجنيد – الاتحاد
الشرق اليوم- لا أذكر عدد المرات التي شاهدت فيها «الوثائقي» الذي أنتجته قناة «ناشيونال جيوغرافيك» عام 2014 بعنوان «جنرالات حرب أميركا American War Generals»، إلا أن المعضلة التي تناولها ذلك العمل لا زالت راهنة: إدارة توظيف الأدوات الغليظة للدولة سياسياً وأخلاقياً.
إدارتا بوش الابن وأوباما شهدتا أعلى نسبة تدوير وإعفاء للقيادات العليا العسكرية ميدانياً وتنظيمياً منذ إعلان الولايات المتحدة حربها على الإرهاب في سبتمبر 2001، وصولاً إلى ما يقارب نهاية حربها على «داعش» 2021. بعض هؤلاء الجنرالات السياسيين خدم لاحقاً في إدارات لاحقة بصفة مدنية بعد خروجهم أو إخراجهم من الخدمة العسكرية، فالجنرال كولن باول (وزير الخارجية في العهدة الأولى للرئيس بوش الابن)، والجنرال ديفيد بترايوس مديراً لوكالة المخابرات المركزية الأميركية خلال العهدة الأولى للرئيس أوباما. أما النموذج الثالث، فهو للجنرالات المقاتلين من أمثال الجنرال ستانلي ماكريستال، والتي فشلت السياسة في اجتذابهم بمعايرها القائمة.
المؤسسة السياسية الأميركية أدركت القيمة السياسية لتوظيف الانتقام من الطرف أو الأطراف المنفذة لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، لذلك جاءت حالة التطابق في المواقف بين «الجمهوريين» و«الديمقراطيين» بما تجاوز ما كان يحلم به المواطن الأميركي من توافق في إدارة شؤونه الوطنية. والإدارات المتعاقبة فضّلت البناء على الكبرياء السياسي للولايات المتحدة، لا الكرامة الوطنية في ذلك الجهد، لذلك فشلت في تحقيق الأهداف السياسية لعملياتها العسكرية، وأفغانستان أكبر الأمثلة على ذلك. فقد استطاعت فرق العمليات الخاصة تحييد «طالبان» وتنظيم «القاعدة» في أفغانستان وفي زمن قياسي، إلا أنها لازالت منغمسة ميدانياً مذ ذاك بسبب غياب تحديد الأهداف السياسية، وغزو العراق أكبر الأمثلة على التخبط السياسي استراتيجياً.
الجنرال كولن بأول كان أول ضحايا ذلك القرار رغم إنهائه فترة العهدة الأولى للرئيس بوش الابن في منصب وزير الخارجية، فقد قرر الساسة استثمار إرثه العسكري والسياسي في تسويق قرار الغزو، إلا أنه اختار ألا يرغم على السقوط على سيفه منفرداً، لذلك تعمد إجلاس مدير «سى. آي. ايه» خلفة أثناء مناقشة قرار الغزو في مجلس الأمن.
مصدر الاختلافات بين القيادة السياسية والعسكرية كان حول دور المؤسسة العسكرية وواجباتها في عملية الحرب على الإرهاب، فهل تتحمل مسؤولية القوة الغازية (ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية)، أم هي فقط أداة تغير للنظم السياسية (غزو العراق) حيث تحملت وحدها المسؤولية الأخلاقية لذلك القرار. تاريخ الاختلافات بين المؤسسة العسكرية والمدنية هو جزء أصيل من إرث التاريخ السياسي الأميركي الحديث، ولطالما تم استيعاب ذلك التباين «النسبي»، إلا أنها لم تصل لحالة إنهاء الخدمة كما حصل مع الجنرال «ستانلي ماكريستال» وآخرين. وأحد أبرز الأمثلة على استيعاب الاختلاف بين المؤسستين هو تعين الجنرال «ماك آرثر» القيّم العسكري على برنامج إعادة إعمار اليابان وتأهيلها بعد الحرب العالمية الثانية، والعلاقة بين ماك آرثر والرئيس ترومان لم تكن في أحد الأيام مثالية.