الشرق اليوم- شهد الملف الإيراني في الآونة الأخيرة مجموعة من التطورات المتناقضة ذات الصلة ببرنامج طهران النووي والجدل المثار بشأن الاتفاق النووي المبرم عام 2015، وموقف إدارة بايدن منه، تمثل أول هذه التطورات في إعلان الاتحاد الأوروبي – وهو الطرف الساعي إلى إحياء الاتفاق النووي – فرض عقوبات على قيادات أمنية إيرانية، بسبب حملة “قمع مميتة” نفذتها السلطات في نوفمبر 2019.
وتمثل ثانيها في تعرض منشأة نطنز النووية لهجوم اعتبره مسؤولون إيرانيون “إرهاباً نووياً”، وحملوا إسرائيل المسؤولية عنه، وهو التطور الذي جاء بعد ساعات من بدء تشغيل طهران أجهزة طرد مركزي متطورة جديدة تعمل على تخصيب اليورانيوم بشكل أسرع. وتسبب الهجوم في تدمير نظام الطاقة الذي يغذي أجهزة الطرد المركزي في المنشأة. أما التطور الثالث المهم، فتمثل في إعلان إيران نيّتها رفع نسبة تخصيب اليورانيوم من 20% إلى 60% وهو مستوى يقربها من نسبة تخصيب 90% التي تسمح باستخدام اليورانيوم لأغراض عسكرية.
وترافقت هذه المواقف التصعيدية مع تطورات تسير في الاتجاه المقابل، وتمثلت بالأساس في عقد جولة جديدة من المحادثات في العاصمة النمساوية فيينا الأسبوع الماضي بهدف تمهيد الطريق أمام الولايات المتحدة للعودة إلى اتفاق 2015، وتحفيز إيران على الامتثال له مرة أخرى، ودخول الجانبين الأمريكي والإيراني في محادثات غير مباشرة خلال هذه الاجتماعات للمرة الأولى منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق عام 2018. كما أعلنت الأخيرة أنّها مستعدّة لإعادة النظر في قسم من العقوبات المفروضة على إيران إذا ما التزمت بنص اتفاق 2015.
ولا يبدو هذا المشهد غريباً أو مفاجئاً، فعادة ما تترافق مسارات التصعيد والتفاوض سعياً من كل طرف لتحسين موقفه التفاوضي، ومن ثم يمكن النظر إلى هذا التصعيد الأخير باعتباره “اختبار قدرات” ومحاولة من كل طرف لامتلاك أوراق جديدة يمكن استخدامها لفرض رؤيته وشروطه، فإيران تريد العودة إلى اتفاق عام 2015 كما هو دون أي تغيير، في حين ترغب واشنطن في معالجة نقاط القصور التي شهدها هذا الاتفاق، ولا سيما في ما يتعلق ببرنامج الصواريخ الإيرانية والتدخلات الإيرانية المزعزعة للاستقرار الإقليمي.
ولا تقتصر لعبة “الشد والجذب” هذه على واشنطن وطهران، فالاتحاد الأوروبي أرسل رسالة بأنه يمتلك القدرة على فرض العقوبات على إيران في حال خالفت التزاماتها، فيما أكدت إسرائيل قدرتها على تعطيل البرنامج النووي الإيراني في هذه المرحلة وربما فعل ما هو أكثر في مرحلة لاحقة، في وقت تلح فيه باقي دول المنطقة على ضرورة إشراكها في أي عملية تفاوض جديدة لأنها طرف معني بصور رئيسية بتبعات ونتائج هذه المفاوضات.
ومن الواضح أن مسار التفاوض هو السائد حالياً رغم مؤشرات التصعيد الأخيرة، ولكن من المهم أن تستوعب إدارة بايدن أن العودة إلى اتفاق عام 2015 دون تعديل ليس خياراً صائباً، وأن الاستمرار في فصل مسار الملف النووي عن باقي سياسات إيران السلبية لن يحقق الاستقرار المنشود.
المصدر: TRENDS Research and Advisory