بقلم: مرح البقاعي – العرب اللندنية
الشرق اليوم- تتابع واشنطن بدقة وحذر عاليين التقارب الصيني – الإيراني، الذي يكاد يبلغ مستوى الحلف المتكامل على مختلف الأصعدة، وأخطرها الصعيد العسكري المستجّد. فبكين وطهران تمضيان قدماً في تمكين خارطة طريق تشاركية تمتد على مساحة 25 عاماً من الزمن قابلة للتجديد، وتهدف إلى توسيع دوائر العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين.
من الجليّ أن هذا الحلف الجنيني، الذي ينمو ويتعاظم في الشرق سيشكّل حالة من الانتعاش الحيوي لإيران إثر ركود طويل جاء نتيجة العقوبات الأميركية والأوروبية المشتركة على نظام الملالي الحاكم هناك، بينما سيفاقم من التباس الحضور الأميركي في الشرق الأوسط، وسيسهم حُكماً في تراجع الدور القيادي للولايات المتحدة حول العالم – وللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية – لمصلحة المنافس والعدو الجديد لواشنطن: بكين.
ومن نافلة القول إنه في ظل التغيّب الأميركي عن الدوائر الفاعلة والمؤثرة في الشرق الأوسط، مدّدت الصين نفوذها وانتشارها الاقتصادي في المنطقة خلال السنوات العشر الأخيرة، لكنها ظلت إلى حد كبير محايدة دبلوماسياً وغائبة عسكرياً. إذ لم يكن للبحرية الصينية تواجد مؤثر سوى بعض الزيارات الموسمية إلى ميناء بندر عباس الإيراني، ومناورات محدودة مع البحرية الروسية والإيرانية في شمال المحيط الهندي.
أما ما بعد التقارب الإيراني – الصيني غير المسبوق، فإن الأمور بدأت تأخذ منحىً آخر، والنفوذ العسكري الصيني لم يعد محدوداً في محيط الصين في هونغ كونغ وبحر الصين الجنوبي البتة؛ إذ أنشأت القيادة الصينية قاعدة عسكرية في جيبوتي على بُعد أميال قليلة من قاعدة أميركية في البلد ذاته قرب باب المندب، وبدأ الطيارون الصينيون في اعتراض ترددات وإشارات الطيارين الأميركيين في المنطقة وفقا لمصادر عسكرية أميركية.
المؤشرات تتجّه نحو إرادة في بكين لإقامة قاعدة دائمة لها في إيران (قد تكون على جزيرة كيش) إثر اتفاقات أمنية وعسكرية وقعها الجانبان خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى طهران العام 2016، والتي التقى خلالها المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس حسن روحاني.
التواجد العسكري المتنامي للصين في المنطقة الحيوية للولايات المتحدة ستكون له تداعياته حال وضوح ملامحه وتحوّله من مشاريع على الورق إلى منشآت على أرض الواقع. فالولايات المتحدة التي تنشر قواتها في العديد من دول المنطقة تجد نفسها اليوم في منافسة شرسة مع دولة كبرى تتمتع بزخم واضح ولها مصالحها الاستراتيجية القديمة والمتجددة.
أما التواجد العسكري الصيني داخل إيران في هذا التوقيت فمن شأنه أن يزيد الأوضاع توتراً بين بكين وواشنطن ويصب مزيداً من الزيت على النار، كما أنه يفتح جبهة جديدة لمواجهات محتملة بخاصة أن الإدارة الأميركية تنظر إلى الدعم الصيني الاقتصادي والعسكري لإيران على أنه تحدٍ واضح لجهود إدارة الرئيس جو بايدن لإخضاع النظام الإيراني عبر سياسة الضغوط السياسية القصوى وإرغامه على العودة إلى طاولة المفاوضات دون رفع العقوبات عنه، الأمر الذي ترفضه طهران وتصر على رفع العقوبات الأميركية أولاً. بينما ستدفع المواقف المتصاعدة لبكين إلى التفكير الجدّي في واشنطن بإقرار عقوبات قاسية عليها، ما يُدخِل العالم في دوامة من الأزمات الاقتصادية التي لن يكون لها حصر تضاف إلى سجل الأزمات الكبرى التي أنتجتها جائحة كورونا والتي منشؤها الصين أيضاً.
أحد العناصر غير المعلنة للاتفاقات الموقعة بين بكين وطهران يتمثل في أن الصين ستستثمر 280 مليار دولار أميركي في تطوير قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات في إيران، على أن يتم ضخ هذا المبلغ مقدَماً في أول خمس سنوات من إطلاق المشروع. كما مهّدت الاتفاقات لإتاحة مبالغ إضافية تبلغ 120 مليار دولار أميركي لتطوير البنية التحتية لقطاعَي النقل والتصنيع في إيران. في المقابل، ستتمكن الصين من شراء منتجات بترولية وغازية وبتروكيماوية إيرانية بخصم قدره 12 في المئة مقارنةً بسعر القياس في السوق، بالإضافة إلى خصم آخر يتراوح بين 6 و8 في المئة كتعويض مخاطر.
تقول كليو باسكال الباحثة في معهد الدفاع عن الديمقراطيات الذي مقرّه واشنطن “أداء الصين منذ سنوات شجّع فكرة تقسيم العالم إلى منطقتَي نفوذ، واحدة تحت النفوذ الأميركي وأخرى تحت النفوذ الصيني”. وفي ظل الانتشار الارتوازي للصين ومنافستها الولايات المتحدة على زعامة العالم سيكون عنوان الصراعات القادمة: أحلاف شرقية وليدة لكنها استراتيجية في مواجهة معسكر غربي عتيد كان يعتقد أنّ لا منازع له على قيادة العالم إلى أن بزغت شمس الشرق من بكين.