الرئيسية / مقالات رأي / ماذا بعد الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتّحدة؟

ماذا بعد الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتّحدة؟

بقلم: فاروق يوسف – النهار العربي

الشرق اليوم- اختارت الولايات المتحدة الوقت المناسب لها لإجراء حلقة جديدة من محادثات الحوار الاستراتيجي بينها وبين العراق. ومن حسن الصدف أن يُعقد ذلك الحوار بالتزامن مع اجتماعات فيينا التي خُطط لها أن تكون بداية لعلاقة من نوع جديد بين إيران والولايات المتحدة، بعدما سارت تلك العلاقة في طرق بدت كما لو أنها تزداد تعقيداً مع الوقت. 

“لا تقاطع بين المشهدين”، ذلك ما يمليه الواقع المباشر. فالحوار بين العراق والولايات المتحدة تعود جذوره إلى الاتفاقية التي وقعها الطرفان عام 2008، أي في عهد رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي الذي لم يكن يومها يزعم أنه سيد المقاومة في العراق، بل كان الرجل الذي تحبه أميركا ويحبها. وهو ما عبّر عنه يوم التقى الرئيس الأميركي جورج بوش الابن في إحدى القواعد الأميركية غرب العراق. أما محادثات فيينا فإنها استُحدثت بعد الانتقال الرئاسي الأميركي من رئاسة متشددة مع إيران سعت إلى احتوائها، إلى رئاسة ليّنة تسعى إلى ترويضها وتخفيف وطأتها على المنطقة. 

غير أن ذلك لا يعني أن الميليشيات التي كلفها النظام الإيراني إزعاج القوات الأميركية الموجودة في العراق قادرة على الفصل بين المشهدين. لا لشيء، إلا لأنها تعتمد على رؤية تبسيطية جعلتها إيران أساساً لطريقة تفكير أتباعها في الدول التي صارت تشكّل محوراً لسياساتها التوسعية والدفاعية في الوقت نفسه.

فمَن يتحاور مع الولايات المتحدة من غير أن يملي عليها الشروط الإيرانية لا بد من أن يكون متآمراً على الجمهورية الإسلامية. لذلك أهملت الميليشيات الفقرات التي تتعلق بالاقتصاد والطاقة والتعليم ومكافحة الإرهاب والثقافة التي يتضمنها الحوار الاستراتيجي، وركزت على مستقبل القوات الأميركية، وهو أمر محسوم بالنسبة الى الطرفين (العراقي والأميركي) قبل أن تُجرى المحادثات. 

تتعامل الميليشيات بغباء مع الأجندات السياسية. ذلك صحيح وهو المطلوب إيرانياً. فلكي تخرج إيران من عنق الزجاجة النووية، فإن عليها أن تُحرج الولايات المتحدة في مسألة وجود قواتها في العراق. ذلك جهد سائب تجد فيه إيران عامل ضغط في مفاوضاتها في فيينا. فهي ترى أنها كلما ضغطت في العراق واليمن ولبنان، فإنها ستحصل على مزيد من التنازلات الأميركية على المستوى النووي. ذلك أمر لا يمكن التكهّن بسلامة ما يقود إليه. 

فالعراق في مرحلته المقبلة هو في أشد الحاجة إلى الخروج من المحور الإيراني، لا من خلال صدام الحكومة المباشر مع الميليشيات الولائية بل من خلال متطلبات الأمر الواقع الذي ينطوي على عدد من الترتيبات الأمنية والإجراءات الاقتصادية والاتفاقيات التعليمية، والأهم من ذلك ما يتعلق بالطاقة، وهي الفقرة التي ترى إيران فيها تهديداً لهيمنتها على العراق من خلال إنهاء احتكارها عملية تزويد العراق بالكهرباء التي تدرّ عليها إيرادات مالية معفاة من العقوبات. 

أما الولايات المتحدة، فإنها تملك وقتاً لكي تضع إيران في مكانها المناسب من أجل أن تخضع لشروط المفاوضات، برغم ما يظهر على السطح من تصريحات إيرانية هي مزبج من العصيان ومحاولة التراضي مع الشيطان الأكبر على أسس جديدة. ذلك يعني أن إيران لا تملك وقتاً مضافاً برغم استعراضاتها الفارغة في الدول الخاضعة لهيمنة ميليشياتها.   

وبرغم أجواء التفاؤل الحذر التي تشفّ عنها مفاوضات فيينا، فإن النظام الإيراني، وخصوصاً على مستوى تياراته السياسية المتشددة، يخشى أن تكون تكلفة القبول به طرفاً في اتفاق نووي جديد باهظة، بحيث يكون تنازله عن “مستعمراته” أمراً لا بد منه. 

وبهذا تربح إيران من جهة مقابل أن تقبل بخسارتها من جهة أخرى. 

وليس من المستبعد أن تكون إيران قد هيأت نفسها للقبول بتلك الخسارة التي هي من وجهة نظرها خسارة موقتة يمكن أن تكون عنصر تهدئة للشكوك الغربية في ما يتعلق بسياساتها الإقليمية المستقبلية، التي يمكن أن تنتقل بها من العلن إلى الخفاء، مستندة في ذلك الى ما حققته ميليشياتها في العراق من نجاحات على صعيد الإمساك بمفاصل الدولة العراقية. بمعنى أن الصداع الإيراني في المنطقة سيستمر من غير أن تظهر إيران في الصورة. 

تلك مشكلة سيكون على أي حكومة عراقية أن تواجه صعوباتها. 

وإذا ما كانت الإدارة الأميركية قد قررت أن تعيد وضع إيران على سكة اتفاق نووي جديد يكون مصدر طمأنة لدول المنطقة المعنية، وفي مقدمتها السعودية وإسرائيل، فإنها لا بد من أن تكون قد وضعت نصب عينيها مسألة إعادة ترتيب الأوضاع في العراق، بحيث ينتهي دور العراق في أي حرب بالوكالة. وهو الهدف الذي لا يمكن الوصول إليه مع استمرار المعادلات السياسية العسكرية الحالية في العراق. ذلك واحد من أهم أهداف الحوار الاستراتيجي التي تحاول الولايات المتحدة من خلاله استعادة موقعها في العراق، وهو الموقع الذي استطاعت إيران أن تضيّق الخناق عليه انطلاقاً من الامتيازات التي حصلت عليها بموجب الاتفاق النووي الذي سيكون جزءاً من الماضي إذا ما نجحت مفاوضات فيينا في استبدال اتفاق جديد به، يعيد إيران إلى حجمها الطبيعي وينهي حالة عدم الاستقرار التي تعيشها المنطقة.    

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …