الرئيسية / مقالات رأي / بايدن ينسحب رسمياً من افغانستان وضمناً من الشرق الأوسط!

بايدن ينسحب رسمياً من افغانستان وضمناً من الشرق الأوسط!

بقلم: هشام ملحم – النهار العربي

الشرق اليوم- إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن المتوقع عن بدء عملية سحب القوات الأمريكية من أفغانستان في الأيام المقبلة، وإنهائها مع حلول الذكرى السنوية لهجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 الإرهابية، وهي السبب الذي دفع بالرئيس الأسبق جورج بوش الابن الى غزو أفغانستان، يعكس قناعات قديمة وقوية لبايدن كان قد عبّر عنها عندما كان نائباً للرئيس باراك أوباما، وتقويمه للتحديات الدولية الجديدة التي تواجهها الولايات المتحدة، وأولوياته الخارجية الملحّة التي تتطلب تركيز موارد وطاقات أمريكا بعيداً من المنطقة التي خاضت فيها أطول حربين في تاريخها: أفغانستان والعراق.

وكما قال بايدن في خطابه، حققت الولايات المتحدة أهدافها الأصلية من الغزو: التخلص من أسامة بن لادن، وتدمير تنظيم “القاعدة” كخطر منظّم ضد الولايات المتحدة، وهذه الأهداف تحققت قبل حوالى عقد من الزمن. وكان بايدن قد تحفظ على قرار الرئيس أوباما زيادة عديد القوات الأمريكية في افغانستان، وهي خطة حققت انتصارات تكتيكية محدودة، ولكنها لم تؤدِ الى إرغام حركة “طالبان” على قبول تسوية سياسية، ولم تغير من قناعات معظم المخططين العسكريين الأمريكيين من أنه لا يوجد هناك حل عسكري للنزاع في أفغانستان، أو على الأقل حل عسكري يمكن أن يقبل الشعب الأمريكي بدفع تكلفته الباهظة.

وتحدث بايدن عن المأزق الأمريكي التاريخي في أفغانستان حين قال: “نحن لا نستطيع أن نواصل حلقة تطويل وتوسيع حضورنا العسكري في أفغانستان بأمل خلق الظروف المثالية لانسحابنا، وأن نتوقع في كل مرة نتائج مختلفة”، وتابع: “أنا الآن الرئيس الأمريكي الرابع الذي يشرف على الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان. رئيسان جمهوريان، ورئيسان ديموقراطيان. وأنا لن أنقل هذه المسؤولية الى رئيس خامس”. كما تطرق بايدن الى الحجج التقليدية التي تمسّك بها كل رئيس لتبرير تأخير الانسحاب، بعد قبول نصائح القادة العسكريين التي تمحورت حول القول إن الظروف غير ملائمة، ما يعني ربط الانسحاب بتحسن الظروف والحقائق الميدانية، لأن هذه الحقائق نادراً ما تتغير في شكل جذري، والتمسك بها يعني تأجيل الانسحاب إلى أجل غير مسمى.

موقف بايدن هذا هو بمثابة رفض للتوصيات التقليدية للقيادة العسكرية في وزارة الدفاع، التي كانت – ولا تزال – متحفظة على الانسحاب العسكري. وهذا موقف بالغ الأهمية لأنه يعطي مؤشراً واضحاً في أن بايدن لن يتردد في معارضة العسكريين اذا كان تقويمه وتقويم مستشاريه السياسيين للتحديات التي تواجهها أمريكا مختلفاً عن تقويم العسكريين. المسؤولون الأمنيون ومعهم معظم المحللين العسكريين يقولون إن انسحاب القوات الغربية سوف يضع قوات الحكومة الأفغانية في وضع دفاعي صعب للغاية، وبخاصة في أعقاب التقدم الميداني الذي حققته قوات “طالبان” العام الماضي، في أعقاب توقيع الاتفاق الأمني بين إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب وحركة “طالبان”، والذي تم فيه تحديد موعد الأول من شهر أيار (مايو) 2021 كموعد لإنهاء عملية سحب القوات الأمريكية. وفي الأسابيع الماضية تطرقت التقارير الصحافية من العاصمة الأفغانية الى مخاوف المسؤولين الأفغان من تجدد سيناريو اقتحام قوات “طالبان” لكابول في أيلول (سبتمبر) 1996. وكانت مصادر في واشنطن قد نقلت عن المقربين من بايدن أنه أعرب عن قلق مماثل، حين تحدث عن الأجواء التي أحاطت بسقوط سايغون، عاصمة فيتنام الجنوبية في أيدي القوات الشيوعية في نيسان (أبريل) 1975 بعد انسحاب القوات الأمريكية.

الانتقادات التي وجهها الجمهوريون في الكونغرس، مثل السناتور ليندزي غراهام وغيره، تركزت حول احتمال بروز تنظيم “القاعدة” الارهابي في أفغانستان في حال عودة “طالبان” الى السلطة في كابول. اللافت أن مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليم بيرنز كان قد قال قبل ساعات من إعلان بايدن، إن انسحاب القوات الأمريكية سوف يخلق “مجازفة كبيرة” بعودة الإرهاب الى المنطقة. وأضاف بيرنز خلال مثوله أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ: “قدرتنا على السيطرة على الخطر الإرهابي في أفغانستان، استفادت كثيراً من وجود قواتنا وقوات الائتلاف الدولي على الارض في أفغانستان”. وتابع بيرنز: “وحين يأتي موعد سحب القوات الأمريكية، عندها سوف تنخفض قدرة الحكومة الأمريكية على جمع المعلومات حول الأخطار (الإرهابية) ومواجهتها. هذا هو الواقع”. وتأمل ادارة الرئيس بايدن في مواجهة مثل هذه الأخطار الإرهابية المحتملة، بالاعتماد على القوات الأمريكية المنتشرة في قواعد جوية عديدة في منطقة الخليج والمحيط الهندي.

وتأمل الولايات المتحدة التي تحاول حالياً إشراك جميع الدول المعنية بالنزاع في أفغانستان أو المحيطة بها مثل باكستان والهند والصين وروسيا وحتى إيران في جهودها السلمية الراهنة، بأن تستخدم بعض هذه الدول، مثل روسيا وإيران نفوذها في أفغانستان إما للمساهمة في منع “طالبان” من السيطرة على المدن الأفغانية ومنها كابول، أو في حال سيطرتها على معظم البلاد، أن تتعاون ميدانياً مع القبائل والفئات الأفغانية التي عارضت في السابق ولا تزال تعارض حركة “طالبان” وما تمثله سياسياً ودينياً، مثل الهزارة والطاجيك، والأوزبك وهي فئات أثنية تتحدث الفارسية، وقريبة تاريخياً وثقافياً من إيران.

ولكن ما هو أهم بكثير من سحب ما يتراوح بين 2500 و3500 عسكري أمريكي من أفغانستان، هو رغبة بايدن بمواجهة الأخطار الحالية والمستقبلية، وليس البقاء أسيراً لأخطار الماضي، وأبرزها استراتيجياً، الصين الصاعدة والتي تسعى في شكل سافر لفرض هيمنتها على منطقة شرق آسيا، وهي المنطقة الأكثر أهمية اقتصادياً أيضاً للولايات المتحدة. وسوف يلتقي بايدن هذا الأسبوع برئيس وزراء اليابان يوشيهيدي سوغا، الذي سيكون أول مسؤول أجنبي يلتقيه بايدن في البيت الأبيض، لمناقشة الخطر الصيني، إضافة الى العلاقات الثنائية.

وتميزت الأشهر الأولى من ولاية بايدن بتوتر ملحوظ في العلاقات مع روسيا. وكان بايدن قد أجرى اتصالاً هاتفياً قبل يومين بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، جدد فيه رفض حكومته تدخل روسيا في الشؤون الداخلية الأمريكية، كما انتقد فيه التصعيد العسكري الروسي وحشد القوات على الحدود مع أوكرانيا، ودعاه الى لقاء قمة في دولة ثالثة لمناقشة هذه القضايا. مواجهة التحدي الروسي، وهو أمر تجاهله كلياً الرئيس السابق دونالد ترامب، يقتضي إصلاح وتطوير علاقات واشنطن مع حلفائها في حلف الناتو، الذين تدهورت علاقاتهم بالولايات المتحدة خلال ولاية ترامب، وهذا ما تفعله إدارة بايدن حالياً.

الانسحاب من أفغانستان، والبدء بتخفيض عديد القوات الأمريكية في السعودية وسحب عتادها، وتغيير مهمات القوات الأمريكية في العراق من مهمات قتالية الى مهمات تدريبية كمقدمة لسحبها لاحقاً، كلها تساهم في تحرير بايدن من نزاعين مضنيين بشرياً ومالياً، وتخفيف أعباء واشنطن العسكرية في الشرق الأوسط، وتركيز طاقات الولايات المتحدة على التحديات الأخرى، ومن بينها التغيير البيئي، وجائحة كورونا، والهجمات الإلكترونية التي تتعرض لها المؤسسات الحكومية الأمريكية إضافة الى الشركات الكبيرة من دول من بينها الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران.

ويجب أن نضع الانسحاب من أفغانستان في سياق رغبة بايدن بالانسحاب العسكري التدريجي من الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي كانت من بين أولويات جميع الرؤساء الأمريكيين منذ الحرب العالمية الثانية، والتركيز على الشرق الأقصى أو المنطقة المسماة “شرق آسيا” في السجال الأمريكي. هذه الرغبة بتخفيض “البروفيل” الأمريكي في الشرق الأوسط عسكرياً وسياسياً موجودة وبقوة في أوساط نافذة في الحزب الديموقراطي في الكونغرس.

وباستثناء إحياء المفاوضات النووية مع إيران، والسعي لإنهاء حرب اليمن، لم تقم إدارة بايدن، بأي جهود جدية لمعالجة نزاعات المنطقة الأخرى مثل حربي سوريا وليبيا. وعلى الرغم من استئناف العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع السلطة الفلسطينية، إلا أنه لا توجد هناك أي مؤشرات في أن ادارة بايدن – بعكس إدارة أوباما – تريد إحياء “عملية السلام” بين الفلسطينيين وإسرائيل. أيضاً اجراءات ومواقف بايدن وكبار المسؤولين في حكومته تجاه حلفاء تقليديين في الشرق الأوسط مثل إسرائيل والسعودية وتركيا، تبيّن بوضوح أنه يريد تفادي التورط بنزاعات ومشاكل المنطقة التي يراها بايدن والعديد من المسؤولين والمشرعّين الأمريكيين عصية على الحلول والمبادرات الأمريكية.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …