بقلم: عاطف الغمري – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – أحياناً، تكون المصطلحات السياسية التي تطلق على الوضع الذي تحتله دولة، أو مجموعة دول متقاربة في توجيهاتها العالمية، صفة لإعطاء هذا الوضع معنى التوحد في كيان مشترك.
كان ذلك ما يعنيه مصطلح «الغرب»، من خصوصية العلاقة بين الولايات المتحدة، وحلفائها في أوروبا، ليس بالمعنى السياسي فقط، بل وفق مفهوم الترابط الثقافي والحضاري، ممتداً على جانبي الأطلسي. والمغزى السياسي لهذا الترابط تجسد في دور دول الغرب عامة، في الصراع بين الشرق والغرب الذي بدأ مع انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، وحتى نهاية الحرب الباردة عام 1989.
استمر ذلك على جانبي الأطلسي، بتوافق بين دوله على أنها جميعاً داخل الإطار الواحد المسمى «الغرب»، إلى أن تفكك الاتحاد السوفييتي الذي كان وجوده «عدواً»، مصدر شحن المشاعر وتحفيز السياسات لاستمرارية تماسك الغرب.
ثم حدثت تحولات في النظام الدولي، أبرزها قفزات الصين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وصعود دول في آسيا، وتغيير في عناصر تحريك السياسات الخارجية، بتبني مفهوم المصالح والمنفعة، بدلاً من الأيديولوجيات.
هنا بدأ ظهور تفاوت واضح بين دول الغرب على جانبي الأطلسي – أمريكا وأوروبا – بشأن النظرة لما يحقق مصالح كل من الجانبين. وظهرت الخلافات تجاه الحرب في البلقان في منتصف التسعينات، والخلافات مع إيران، وأحياناً في كيفية التعامل مع الصين، والعلاقات التجارية بين أمريكا وأوربا، ثم التفاوت في التعامل مع الأوضاع المضطربة في الشرق الأوسط.
وتزامن مع ذلك اتساع فجوة الخلافات بين أمريكا وأوربا، نتيجة توجه سياسة أمريكا الخارجية في التركيز على آسيا، وتراجع اهتماماتها السابقة بالتحالف الغربي مع أوروبا.
في تيار هذه التحولات كانت أمريكا والدول الحليفة في الغرب، لا تزال تتعاون في قضية حصار روسيا داخل حلقة ضيقة من السياسات، الكثير منها بتدابير مخابراتية للحيلولة دون أية عودة قوية لروسيا على المستوى العالمي. وشمل ذلك تدبير محاولات انقلابية، وتدخلات في دول المحيط الروسي، التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي قبل استقلالها عام 1991.
لكن دول الغرب فوجئت بأن روسيا تحت رئاسة بوتين صارت عصية على إخضاعها، وأن ما يفعله بوتين ليس مجرد تغيير في السياسات، بل هو إطلاق لصحوة قومية، تجعل الدب الروسي يخرج من دائرة تطويقه، وفق استراتيجية لبوتين تتمدد في أنحاء العالم، لبناء علاقات في مختلف مجالات التعاون مع دول في مناطق بعيدة، وخلق تواجد استراتيجي في بعضها، مثلما كان التواجد، عسكرياً وسياسياً، في سوريا، وغيرها.
ومع إدراك الولايات المتحدة لكل هذه التحولات التي تشكل روسيا في نطاقها مصدر قلق، بحيث وصفت بالمنافس الاستراتيجي، كان وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، ليضع ضمن أولوياته ما اعتبره تهديداً روسياً.
وانعكس ذلك على موقف بايدن الحاد تجاه الرئيس الروسي. وكان ذلك – حسب ما اتفق عليه عدد من المحللين الأمريكيين – دافعاً لبايدن لكي يضع على قمة أجندته للسياسة الخارجية، تفعيل التحالف عبر الأطلسي، عن طريق التركيز على أن تهديد روسيا يستهدف «الغرب» أجمعه، بحيث يكون ذلك حافزاً لدول التحالف مجتمعة، للالتحام بالولايات المتحدة، بالصورة التي كانت قائمة سابقاً.
وبالطبع، كان بايدن تحت نظره ما حدث في السنوات الأخيرة من تراجع مصداقية أمريكا في نظر دول الغرب في أوروبا، وتصاعد تيارات في هذه الدول تدعو للخروج من تحت المظلة الأمريكية، وإيجاد كيان جديد، بل وصل التفكير إلى تأسيس جيش أوروبي لا علاقة له بالولايات المتحدة.
ومن تجمع كل هذه التطورات معاً عاد العمل على إحياء مفهوم الغرب، وإثارة مشاعر الارتباط به، من كل النواحي، ليس باعتباره تحالفاً عسكرياً أو سياسياً فقط، بل، وهذا هو الأهم، ليعود معنى «الغرب» كمسمى، مظلة تنضوي تحته شعوب. تترابط ثقافياً، وحضارياً، ومصيراً، وعقيدة، في مواجهة أي جهة تعتبرها مصدر تهديد.