بقلم: د.وحيد عبدالمجيد – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – لا يزال الشك في لقاحات كورونا موجوداً لدى قطاعات من المجتمع في كثير من دول العالم، وما برح التشكيك فيها مستمراً، رغم جهود تُبذل لتأكيد جدواها وضرورة تعاطيها.
وفيما يُصر المتشككون والمُشككون في هذه اللقاحات على رفض تعاطيها، يُبدي الراغبون في التطعيم دهشتهم من هذا الموقف، الأمر الذي يثير سؤالاً ربما يبدو غير منطقي، لكنه واقعي، وهو: هل يمكن أن يكون لقاح أخطر من المرض الذي ابتُكر هذا اللقاح للوقاية منه؟
والسؤال لا يتعلق باللقاحات المضادة لفيروس كورونا فقط، لأن بعض مَن يرفضون تعاطيها يتخذون الموقف نفسه بشأن مختلف أنواع اللقاحات، وتجاه مسألة التطعيم في حد ذاتها.
ولهذا الموقف تاريخ طويل بدأ منذ ابتكار أول لقاح، وكان مضاداً لمرض الجدري في نهاية القرن الثامن عشر. فقد أُنشئت منذ ذلك الوقت مئات الروابط المعارضة للقاحات لأسباب مختلفة، كان بعضها دينياً، فيما ارتبط أكثرها إما بعدم ثقة في الأطباء والحكومات، أو باعتقاد في أن حملات التطعيم تنتهك الحرية الشخصية عندما تكون إلزامية. ومن هذه الأسباب أيضاً الانتماء إلى أقليات تعرضت لتمييز ضدها أدى إلى تخوف بعض أبنائها من أن يكون تلقيحهم وسيلة لتجربة لقاح عليهم.
ولا يزال بعض هذه الأسباب دافعاً إلى رفض اللقاحات المضادة لكورونا في الوقت الراهن، وخاصةً الأثر المترتب على تمييز ضد أقلية ما. ونجد بقايا لهذا الأثر الآن في أوساط بعض الأميركيين السود، نتيجة استدعائهم روايات تاريخية عن إجراء تجارب طبية على أشخاص من أصول أفريقية بدون موافقتهم، وبطريقة غير إنسانية أحياناً. وتبدو بعض هذه الروايات صادمة، مثل الرواية التي تقول إن التجارب الأولى في علم أمراض النساء والتوليد Genecology في الولايات المتحدة أُجريت على نساء سود كُن مستعبدات في ولاية ألاباما. وحتى إذا لم تكن هذه الروايات صحيحة، أو انطوت على مبالغات، فهي تُحدث أثرها لدى من يختزنونها في ذاكرتهم. فقد ثبت في دراسات الهوية أن الروايات المُتخيلة تُصبح واقعية حين تنتشر، وتساهم في تكوين صور نمطية Stereotypes.
هذا عن رافضي اللقاحات كلها. أما رافضو اللقاحات المضادة لفيروس كورونا تحديداً، فهم مدفوعون بأحد عاملين أو كليهما؛ أولهما الشك في جودة لقاحات طُورت وبُدئ في إنتاجها خلال أقل من عام، في حين تطلب التوصل إلى اللقاحات السابقة سنوات طويلة تجاوزت العشر في بعضها. ومنطق الشك هنا أن تكون السُرعة على حساب مستويات الأمان والفاعلية. وليس سهلاً إقناع كل مَن يشكّون في اللقاحات لهذا السبب بأن اختصار الوقت في تطويرها يعود إلى حالة تعبئة غير مسبوقة أتاحت توفير الموارد اللازمة التي كان جمعها يستغرق سنوات، فصارت متاحة بشكل فوري، فضلاً عن كثرة أعداد العلماء والخبراء الذين تفرّغوا لابتكار هذه اللقاحات وهو ما لم يحدث من قبل أيضاً.
أما العامل الثاني فيرتبط بمخاوف من لقاحات معينة. يتخوف البعض من لقاحي فايزربيونتيك ومودرنا، لأن تطويرهما يعتمد على تقنية الحمض النووي الريبي، بسبب اعتقاد خاطئ في أنها تؤثر في جينات المُطعمين.
كما أدى تضارب التقارير والقرارات بشأن لقاح أكسفورد-أسترازينيكا إلى مخاوف من تعاطيه، خاصةً أنها صدرت عن هيئات علمية مسؤولة في الاتحاد الأوروبي، وبعض دوله. فقد أفادت تقارير مبدئية صدرت في فبراير الماضي أن فاعلية لقاح أكسفورد-أسترازينيكا غير مؤكدة بالنسبة لمن تجاوزت أعمارهم خمسة وستين عاماً. وبعدما تبين أنه استنتاج غير دقيق، قررت بعض وكالات الأدوية الرسمية في دول أوروبية عدة تعليق استخدام هذا اللقاح، بعد تعرض عدد ممن تعاطوه لجلطات دموية، ثم عاد معظمها عن هذا القرار. وقبل أيام تحدث مسؤول في وكالة الأدوية الأوروبية عن وجود صلة بين هذا اللقاح وحالات تجلط دم، ثم أصدرت الوكالة نفسها بياناً أوضحت فيه عدم الوصول إلى استنتاج نهائي، وأن المراجعة جارية. ومن شأن هذا التضارب أن يُثير شكوكاً في اللقاح المذكور، وربما في اللقاحات المضادة لفيروس كورونا في مجملها، لأن أثره لدى البعض لن يتبخر بمجرد انتهائه.
والأرجح أن يقل عدد مَن يشكّون في اللقاحات المضادة لفيروس كورونا تدريجياً، بخلاف رافضي مبدأ التطعيم في حد ذاته. لكن عدد من سيتمسكون بهذا الموقف- الهاجس سيكون أقل من أن يعوق الوصول في النهاية إلى حالة مناعة جماعية عندما تتوفر كميات لقاحات كافية لمختلف دول العالم.