الرئيسية / مقالات رأي / أوروبا وأجندة أمريكا الصينية

أوروبا وأجندة أمريكا الصينية

بقلم: باسكال بونيفاس – الاتحاد الإماراتية

الشرق اليوم- «إن أميركا عائدة». هذه هي العبارة التي صار جو بايدن يستخدمها بانتظام، ولا بد من الاعتراف بأن هذا صحيح وأن أميركا عائدة بالفعل. أولاً، على صعيد مكافحة جائحة «كوفيد-19». فخطة التلقيح الجديدة جديرة بالاحترام؛ فهدف تلقيح 100 مليون أميركي ضد «كوفيد-19» سيتحقق قريباً. ثم على صعيد التعافي الاقتصادي؛ ذلك أن 1900 مليار دولار، أي ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لبلد كإيطاليا، رصدت من أجل إعادة إطلاق الاقتصاد الأميركي.

غير أن تصريحين صادمين تصدّرا نشرات الأخبار مؤخراً بشكل متتابع: جو بايدن الذي يصف بوتين بـ«القاتل»، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي يتحدث عن الصين مستخدماً عبارة «الإبادة الجماعية»! فكيف يمكن تفسير هذا التشدد؟ إنها أكثر من عودة في الواقع، إنها الإمبراطورية بصدد شن هجوم مضاد. السبب الأول هو أن جو بايدن، الذي كان يصفه دونالد ترامب بـ«جو النعسان»، يريد أن يُظهر أن أداءه يمكن أن يكون جيداً مثل سلفه، بل أحسن منه في ما يتعلق بالرد الحازم، على زعم أن الرئيس السابق سمح لبوتين وشي جينبينغ بالإفلات! ولذا فهو يرغب في أن يظهر بمظهر الرجل القوي، وبالتالي جعل ترامب يبدو بأنه كان ضعيفاً خلال رئاسته، وذلك من أجل حرمانه من حجته المفضلة. باختصار، إن بايدن يطمح إلى هدم ما بناه ترامب، بالطريقة نفسها التي أراد بها ترامب هدم ما بناه أوباما.

في صميم التهمة الموجهة لبوتين يوجد جانب شخصي: ذلك أن الروس كانوا قد سلّطوا الضوء على علاقات هانتر بايدن، نجل جو بايدن، مع الأوكرانيين. وكانوا قد كشفوا عن راتب شهري قدره 50 ألف دولار له علاقة بمسائل أوكرانية، واتهموا جو بايدن بشكل مباشر خلال الانتخابات الرئاسية. واليوم، يبدو أن بايدن يرد على تحية بوتين بأحسن منها!

ومن جهة أخرى، يريد رئيس الولايات المتحدة الجديد إعادة التأكيد على الروابط مع حلفاء بلاده ورص الصفوف. ذلك أن البلدان الأوروبية كانت قلقة جداً من سياسة ترامب، الذي كان يتهم الاتحاد الأوروبي بأنه عدو للولايات المتحدة، ويصف «الناتو» بالحلف الذي عفا عنه الزمن. وبايدن يُطمئن بأن أميركا عائدة مشدداً على التهديد الروسي، وذلك حتى تثق فيه أوروبا من جديد. وبالمثل، تسعى الولايات المتحدة من خلال وصفها الصين بالتهديد إلى طمأنة اليابان وأستراليا والهند، وتشكيل ائتلاف مضاد للصين. أما كوريا الجنوبية، فأقل حساسية تجاه هذا الخطاب نظراً لأنها تتقاسم روابط اقتصادية قوية جداً مع القوة الصينية. وبالفعل، فالصين اليوم هي الشريك التجاري الأول لـ64 بلداً، في حين أن الولايات المتحدة لم تَعد الشريك التجاري الأول إلا لـ38 بلداً فقط.

ومن خلال هذه الرغبة في القيام بحملة من أجل حقوق الإنسان يمكن تمييز صراع على الهيمنة العالمية. فالولايات المتحدة، المتوجسة والقلقة، تشاهد تعاظم قوة الصين، وهو ما لا تقبله. وهكذا، تصبح حقوق الإنسان أداة بين أدوات أخرى كثيرة ضمن مشروع تنافس دولي.

لكن ما هو الموقف الذي ينبغي تبنيه بعد وصف بوتين بـ«القاتل»؟ وهل يمكن التعامل مع «قاتل»؟ بالطبع، يمكن مواصلة المفاوضات حول نزع الأسلحة النووية، لكن السؤال يظل مهماً. لقد رد بوتين على هذا الهجوم بالقول إنه من الممكن وضع كل المواضيع على الطاولة، وبأنه سيقبل مناقشتها مع نظيره الأميركي، غير أنه كان بإمكانه أيضاً أن يقول إن جورج بوش الابن لديه دماء أكثر على يديه بسبب حرب العراق.

والنوع نفسه من الاتهامات حدث بالنسبة للصينيين من خلال كلمة «الإبادة الجماعية»، وهو مصطلح ثقيل وقوي الدلالات. ثم إنه من الصعب اتهام الصين بـ«الإبادة الجماعية»، وفي الوقت نفسه التفاوض معها بشأن اتفاقات تجارية. في صميم هذه الحرب الإيديولوجية، يتعين قياس وزن الكلمات جيداً وعدم العودة إلى جو الحرب الباردة دون استنتاج خلاصات ملموسة وعملية.

لكن، هل سينجر الأوروبيون إلى هذه الحملة المعادية للصين؟ الواقع أن أوروبا لديها أجندتها الخاصة مع الصين على الصعيد الاقتصادي والتجاري وعلى صعيد حقوق الإنسان. وهذه الأجندة لا تنسجم دائماً مع الأجندة الأميركية. فبالنسبة لأوروبا، الصين لا تمثّل تهديداً عسكرياً مثلما تمثّله بالنسبة لليابان والولايات المتحدة. والرغبة التي لدى واشنطن في جرّ أوروبا إلى أجندتها الخاصة ينبغي ألا تصبح فخاً. وهنا، بوسع أوروبا أن تتساءل ما إن كانت الولايات المتحدة تتصرف بشكل جاد بخصوص مسألة سريان القانون الأميركي خارج حدود الولايات المتحدة. فالأوامر الأميركية بعدم إقامة علاقات تجارية مع هذا البلد أو ذاك تحت طائلة الغرامات أو عدم الوصول إلى السوق الأميركية شيء ينتمي إلى عهد آخر، عهد إمبريالي لسنا حلفاء فيه وإنما مجرد تابعين.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …