بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم– كان أمراً مثيراً للدهشة ما حصل مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين خلال زيارتها ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال أنقرة في محاولة لتعويم العلاقات الأوروبية – التركية التي ساءت في الأعوام الأخيرة، على خلفية مواقف متضاربة للجانبين.
عندما دخل الزعيمان الأوروبيان – وللتذكير هما متساويان في أهمية المنصب – على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قصره في أنقرة، تقدم شارل ميشال ليتخذ مقعداً إلى جانب أردوغان، بينما وقفت فون دير لايين حائرة لأنها لم تجد مقعداً مخصصاً لها، ما دفعها إلى الجلوس على أريكة بعيدة نسبياً قبالة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو.
الواقعة أثارت جدلاً في الاتحاد الأوروبي، الذي طالب الجانب التركي بإيضاحات عن هذا الخطأ البروتوكولي، الذي ساورت بروكسل الشكوك بأن يكون متعمداً، ولتنتهي الزيارة بإضافة مشكلة جديدة إلى المشكلات المتراكمة بين دول الاتحاد الأوروبي وتركيا.
ونفت أنقرة أن تكون قد ارتكبت خطأً متعمداً أو غير متعمد، واعتبرت أن الأمر طبيعي وأن موظفي البروتوكول من الجانبين التركي والأوروبي أشرفا على ترتيب طريقة وضع المقاعد. وحمل الأمر رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، على اتهام أردوغان بـ”إهانة” رئيسة المفوضية الأوروبية. وقال إن من الضروري التعامل بصراحة مع “الطغاة”.
ورداً على الموقف الإيطالي، استدعت وزارة الخارجية التركية السفير الإيطالي لدى أنقرة. ووصف جاويش أوغلو كلام دراغي بـ”القبيح”. وحتى شارل ميشال الذي أربكه السلوك التركي حيال فون دير لايين، قال لصحيفة “هاندلسبلات” الألمانية إن النوم “يجافيه” منذ الحادثة، وأنه يتمنى العودة بالزمن إلى الوراء.
وعلى خلفية الوقائع التي جرت، لا يمكن استبعاد أن تكون أنقرة، من طريق حرمان فون دير لايين من الجلوس في المقعد المناسب لها، أرادت توجيه رسالة رمزية إلى الاتحاد الأوروبي الذي أدار الظهر منذ سنوات لمفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وحرمها تالياً من مقعد تعتبر أنها جديرة به في هذا النادي.
وطويلة هي لائحة المآخذ الأوروبية على تركيا، سواء في الداخل أم في الخارج. من الابتزاز الذي مارسته أنقرة في مسألة اللاجئين عامي 2015 و2016، إلى التوغل التركي العسكري في مناطق الأكراد في شمال سوريا وشرقها، إلى إرسال مقاتلين من المعارضة السورية إلى ليبيا ومن بعدها إلى أذربيجان، إلى شرق المتوسط للتنقيب عن النفط والغاز في مياه تقول اليونان وقبرص إنها عائدة لهما.
ومن خلال اتفاقية ترسيم الحدود مع حكومة الوفاق الوطني السابقة في ليبيا عام 2019، أثار أردوغان اعتراضات من مصر واليونان وقبرص. ووقفت فرنسا إلى جانب الدول الثلاث وارتفع منسوب التوتر بعدما بدا أن شرق المتوسط قد يتحول إلى ساحة مواجهة عسكرية. وهذا ما حمل الاتحاد الأوروبي على مناقشة المسألة والبعث برسالة حازمة إلى أنقرة تضمنت تهديداً بفرض عقوبات على تركيا إن لم تتراجع عن إجراءاتها في المنطقة.
وزاد أردوغان من استفزاز الاتحاد الأوروبي بزيارته العام الماضي منتجع فاروشا في شمال قبرص، والذي كان مقفلاً منذ الغزو التركي للشطر الشمالي من الجزيرة عام 1974. وهذا المنتجع يملكه قبارصة يونانيون، وكانت قوات الأمم المتحدة التي تراقب وقف النار هي التي تشرف عليه. لكن أردوغان أعلن عزمه على معاودة فتحه.
وفي الداخل، يبدي الاتحاد الأوروبي اعتراضات على سياسة القمع التي يمارسها أردوغان بحق الصحافيين وشخصيات كردية من “حزب الشعوب الديموقراطي”، الذي يواجه مخاطر بالحظر. وسبق المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن ناشدت الحكومة التركية، من دون جدوى، إطلاق الرئيس المشارك السابق للحزب صلاح الدين ديميرتاش المسجون منذ أكثر من ستة أعوام. وما زاد الطين بلة، كان انسحاب أنقرة الشهر الماضي من “ميثاق اسطنبول” الذي يحرّم العنف ضد المرأة.
في الآونة الأخيرة، ومع التردي المستمر في الاقتصاد التركي، ومع تزايد العزلة الإقليمية والأوروبية لتركيا، سعى أردوغان إلى تليين موقفه حيال فتح حوار مباشر مع أنقرة ومع الاتحاد الأوروبي. وأتت زيارة شارل ميشال وفون دير لايين لتركيا بهدف البحث في نقاط الخلاف وتخفيف التوتر. لكن يبدو أن النتائج أتت عكسية بفعل أزمة الكرسي التي ستظل محل جدل وعرضة للكثير من التفسيرات والبحث عن المقصود منها.