الرئيسية / مقالات رأي / لبنان والمبادرة الألمانية

لبنان والمبادرة الألمانية

بقلم: د. خليل حسين – الخليج الإماراتية

الشرق اليوم- رغم ليونة وواقعية المقترحات الفرنسية لم تتمكن باريس، بعيد تفجير مرفأ بيروت، من تفعيل مبادرتها باتجاه لبنان؛ وذلك للعديد من الأسباب المتصلة بمواقف اللبنانيين أو الظروف الإقليمية والدولية، وبرغم أن واشنطن لم تعارض مبدئياً تلك المبادرة، فإنها ظلت رهينة الانتخابات الرئاسية الأمريكية ونتائجها، ورغم الآمال المعلقة على الدور الأمريكي لم تأتِ الاستراتيجية الجديدة للرئيس جون بايدن لتعطي دفعاً جديداً، ولم يأخذ لبنان الأولوية المطلوبة لضبط أوضاعه، وبالتالي ظل تفصيلاً مرتبطاً بأزمات المنطقة ومشاريع حلولها.

 وبرضى أمريكي ضمني، انطلقت أوروبا بمبادرة رسمية أطلقتها فرنسا مجدداً، والتحقت بها ألمانيا بمبادرة تتضمن مشروع حل، ينطلق من إعمار مرفأ بيروت والمناطق المحيطة به، وذلك ضمن شروط محددة ليست ببعيدة عن مضمون المبادرة الفرنسية، في طليعتها تأليف حكومة جديدة بمواصفات محددة، على أن تنطلق بورشة إصلاحات بنيوية للنظام السياسي اللبناني، وأن تضع هذه الحكومة مشاريع إعمارية وبمواصفات محددة أيضاً. 

 فما هي حدود نجاح المبادرة الألمانية وسط هذه الظروف المعقدة؟ في المبدأ، إن وضع لبنان مرتبط بأزمات المنطقة، وهو بالتالي ليس مدرجاً على جدول أولويات الولايات المتحدة إلا ضمن أطر محددة، وما يمكن الاستفادة منها في سياقات السياسات الإقليمية التي تعتبرها واشنطن ذات أولوية لها، ما يعزز أن واشنطن فتحت المجال أمام دور أوروبي بحدود وشروط وليس مطلقاً، وبالتالي لا يعدو كونه تعبئة للوقت ريثما تنضج ظروف قابلة للبناء عليها، لا سيما أن هذا الإطلاق مرتبط أساساً بشروط ليس للبنان القدرة حالياً على تنفيذها بسلاسة. فالخطط الإعمارية مثلاً مرهونة ببرامج إصلاحية عبر حكومة جديدة غير متفق عليها لجهة التأليف أو البرامج التي ستنطلق بها، وبالتالي هي مشاريع مؤجلة، وانطلاقها يستوجب اتفاقاً لبنانياً ليس بالسهل التوصل إليه في المدى المنظور.

 لقد سبق للولايات المتحدة أن فسحت المجال للأوروبيين للتدخل في مشاريع حلول شرق أوسطية عامة وللدول فيها بخاصة، إلا أنه لم يسجل نجاحات باهرة وذات أبعاد استراتيجية نوعية، وظلت هذه التدخلات مرهونة بأطر تمويلية لا أكثر، وهو ما يلاحظ حالياً، على أن هذه الرغبة الأوروبية ليست بالضرورة قابلة للتطبيق أو التنفيذ بشكل منفرد، أو من دون مشاركة أمريكية فاعلة ومرضي عنها.

 إن عدم رضوخ لبنان للشروط الدولية لجهة تأليف الحكومة والبدء ببرنامج إصلاحي واضح، هو ما أخّر المساعدات المالية والاقتصادية عبر صندوق النقد الدولي والدول المانحة، ذلك في وقت يرزح لبنان تحت ظروف ضاغطة غير مسبوقة، وسط ملامح انهيار شامل، ما يستدعي جدية في إعادة إنتاج سلطة قادرة على إعادة كسب ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي. فلبنان اليوم الذي بات أكثر من نصف شعبه يعيش تحت خط الفقر، نتيجة انهيار عملته الوطنية، إضافة إلى ديونه الخارجية وفقدان احتياطاته من العملات الأجنبية وعدم قدرته على الاستيراد حتى للسلع الضرورية جداً، بات بحاجة أيضاً لرعاية دقيقة تنقذه من الانهيار المحتم.

 فالمبادرة الألمانية الحالية هي نتاج عدم قدرة فرنسا على تفعيل مبادرتها لأسباب مختلفة، وهي أيضاً نتاج انشغال أمريكا بأولويات أخرى، لبنان ليس من بينها، ما يعني أن ظروف المبادرة الألمانية ليست مكتملة القدرات، فمشروع المليارات العدة لإعادة مرفأ بيروت، ليس كافياً وإن تكن جزءاً من مشروع ينبغي أن يكون أكبر، ومتكاملاً مع إعمار بنيوي للنظام السياسي والاقتصادي اللبناني الذي يتطلب مشاريع وإمكانات أكبر بكثير بعد الوضع الكارثي الذي وقع فيه.

 وفي ظل ترابط أزمات المنطقة ولبنان من ضمنها، وفي ظل ارتباط الاقتصاد والتنمية بالسياسة ومشاريعها الإقليمية، فمن المستبعد نجاح أي رؤية أو مشروع في المنطقة من دون التوصل لحلول للقضايا الكبرى، وبالتالي فإن المبادرة الألمانية مرهونة أولاً وأخيراً بمشاريع حلول إقليمية لا تزال في بداياتها مع إدارة الرئيس الأمريكي جون بايدن.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …