بقلم: محمد يوسف – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – من ينظر إلى خريطة روسيا، من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، بحجمها وامتداداتها، بتنوعها وتعدد ثقافاتها، ثم ينظر إلى جزيرة القرم بصغرها وقلة مواردها، يستغرب إلى حد الذهول، فهذه البقعة التي تكاد لا ترى على الخريطة لا تستحق هذا الاحتقان الذي نتابعه خشية اشتعال حرب قد تكون شرارة الحرب العالمية الثالثة.
لا القرم ولا شرق أوكرانيا ولا أوكرانيا كلها ستضيف شيئاً ينقص روسيا حالياً، ولا تستحق في نظر أهل السياسة والاقتصاد هذا الهدر للموارد الروسية، وكان الأولى بها أن توجه ما يصرف على السلاح وتحريك الأساطيل نحو مشاريع التنمية، فالشعب الروسي مازال يعيش تبعات الحقبة السوفييتية والتوسع الروسي تجاه الدول الفقيرة وضمها إلى المنظومة الهشة التي سقطت وتناثرت بعد 70 عاماً من قهر الأمم وشعوبها.
من الواضح أن الدول الكبرى لا يمكنها العيش في هدوء وسكينة، فهي تصنع العداوات، وتختلق الأزمات وتثير التوترات، لإرضاء غرور شخص أو مجموعة حاكمة، تتطلع إلى هيمنة وانتشار، وللأسف، فهذه الدول مازالت تسيطر عليها النزعة الاستعمارية، والتي تبدأ بحجج واهية وتنتهي باستحواذ، وتكون شعوب المناطق الضعيفة والصغيرة هي الضحية، ولكن مثل هذه المناطق لا يستهان بها، فهي عادة ما تكون مصائد للدول الكبرى، إذا دخلتها وهي كبيرة لا تخرج منها إلا وهي ذليلة، وأفغانستان عبرة، فقد كانت بداية النهاية للاتحاد السوفييتي الذي احتلها ليحولها إلى دولة شيوعية تسير في ركبه، فغاص جيشه في الوحل، وكان خروجه إيذاناً بتفككه إلى دويلات!
روسيا لا تحتاج إلى القرم، والعالم ليس في وضع يسمح له بالانشغال بتوترات جديدة، تكفيه تداعيات كورونا وحرب اللقاحات وصراخ أصحاب الأعمال الطاغي على صراخ أهالي الذين يتساقطون يومياً من جراء الجائحة.
العالم بحاجة إلى استراحة لالتقاط أنفاسه، وليس إلى تجييش الجيوش والوقوف على «شفا حفرة من النار».