الشرق اليوم- مرّ أكثر من شهرَين منذ أن أطلق جيش ميانمار انقلاباً لإسقاط حكومة “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية”، لكن لم ينجح المجلس العسكري الذي يُعرَف رسمياً اليوم باسم “مجلس إدارة الدولة” في إعادة البلد إلى وضعه الطبيعي. تستمر الاحتجاجات المعادية للانقلاب والجيش بشكلٍ يومي في أنحاء البلد، وتتصاعد الدعوات إلى إقرار دستور ديمقراطي فدرالي وإنشاء جيش جديد للإطاحة بالمجلس العسكري.
في غضون ذلك، يتابع المجلس العسكري ترهيب البلد كله عبر إطلاق النار على المحتجين في المدن وشن ضربات جوية شبه يومية ضد سكان ولاية “كارين” وولايات أخرى. لم يسقط المجلس العسكري الإرهابي حتى الآن، لكنه فشل في ترسيخ شرعيته وسلطته لحُكم البلد.
في آخر شهرَين، أصدر المجلس العسكري أوامر متلاحقة لكنه عجز عن تطبيقها ميدانياً، إذ لم تفتح البنوك أبوابها بعد، ولا تزال المتاجر والمدارس مغلقة، وأصبح “مجلس إدارة الدولة” معزولاً على ما يبدو في العاصمة نايبيداو. كذلك، يفتقر البلد إلى الحُكم الفاعل وقد وصلت السلطة العسكرية الوحيدة إلى الحُكم تحت تهديد السلاح.
جيش التاتماداو هو الفريق الوحيد الذي يستطيع حمل السلاح رسمياً في ميانمار. تقضي مهامه بحماية الشعب بدل مضايقته وترهيبه، لكن هذا الجيش خطف الحياة السياسية المحلية وعاقب المواطنين الذين يرفضون تقبّل محاولات الحُكْم بالقوة. اليوم، يَصِف شعب ميانمار الجنرالات بالإرهابيين، لم تكن الثقة بين الجيش والشعب قوية يوماً، لكنها انهارت بالكامل الآن وبطريقة لا يمكن إصلاحها. يفتقر الجيش إلى الشرعية وقد خسر الجنرلات شرعيتهم أيضاً بعد ارتكاب أعمال وحشية جماعية ضد الشعب، فثمة حاجة إذاً إلى تفكيك هذا الجيش بالكامل أو حتى تدميره نهائياً، ولا بد من تعديل المؤسسات التدريبية داخل التركيبة الراهنة أو إعادة بنائها من جديد. باختصار، يحتاج الجيش إلى روح جديدة وهوية مختلفة.
يُصِرّ المواطنون العاديون، لا سيما الشباب منهم، على العودة إلى الشارع رفضاً للرضوخ لأوامر المجلس العسكري الظالمة، فقد اعتاد هؤلاء الشبان على توسّع هامش الانفتاح والحريات طوال عقد من الزمن، لذا سئموا من الدكتاتورية العسكرية. يبدي عدد كبير منهم استعداده للتضحية بحياته من أجل مستقبل البلد. ورغم قتل نحو 600 محتجّ سلمي بطريقة وحشية منذ الانقلاب، يبدو أن نهاية الأزمة لن تكون قريبة. طالما يُصِرّ الناس على عدم الرضوخ للقوانين المجحفة، لن تنجح محاولات النظام العسكري لفرض سلطته بالقوة.
في غضون ذلك، أعلنت “لجنة بييداونغسو هلوتاو” التي أسسها نواب مُنتخَبون عن إلغاء الدستور الذي صاغه الجيش في عام 2008، وطرحت “ميثاق الديمقراطية الفدرالية” الذي يتألف من قسمَين ويشمل خريطة طريق سياسية ويُحدد المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها الدستور الجديد. يضمّ هذا الميثاق أيضاً فصلاً حول “تشكيل جيش اتحاد فدرالي جديد”، ويتماشى هذا التوجّه مع ما تطالب به الجماعات القومية العرقية منذ أكثر من 70 سنة لاستبدال جيش التاتماداو بقوى أمن متنوعة تخضع لقيادة مدنية. على صعيد آخر، قال أعضاء “لجنة بييداونغسو هلوتاو” إنهم بصدد الإعلان عن تشكيل “حكومة وحدة وطنية” جديدة وأكثر تنوعاً في شهر أبريل، حيث تُعتبر هذه التطورات كلها واعدة ويرحّب بها شعب ميانمار بقوة ويأملون أن يقوم المجتمع الدولي وحكومات الدول المجاورة بالمثل دعماً لطموحات شعب ميانمار بالفدرالية والديمقراطية.
يصعب أن نتوقع توقيت سقوط المجلس العسكري، لكن من الواضح أنه فاشل على جميع المستويات، ونظراً إلى ارتفاع مستوى الوعي السياسي لدى الجيل الجديد بمختلف انتماءاته والإعلان حديثاً عن “ميثاق الديمقراطية الفدرالية”، لا مفر من أن تتجدد الآمال بقدرة شعب ميانمار على النهوض وإرساء الديمقراطية وإطلاق فجر جديد في بلدٍ يستحق الأمان بعد معاناة طويلة.