بقلم: تيريز رافائيل
الشرق اليوم- تزايدت معارضة حزب بوريس جونسون المحافظ لخطته البطيئة والغامضة لإعادة فتح الاقتصاد باستخدام جوازات سفر اللقاح المحلية. فهناك العديد من الحجج التي أثيرت، ولكن ما يزعج حقاً بعض المحافظين (صغاراً وكباراً) هو الشك في أن سياساته تعكس تحولاً كبيراً في دور الدولة في حياة الناس.
يتطلع البعض إلى الولايات المتحدة التي تتوقع أسرع نمو منذ عام 1984، حيث ألغت الدول القيود. فها هي بريطانيا هي الأخرى تنفق مبالغ طائلة لدعم الاقتصاد، حيث تلقى 59 في المائة من البالغين الجرعة الأولى في إطار برنامج التحصينات، وهو ما حقق نجاحاً كبيراً. فهم يريدون من جونسون أن يتَّبع عقلية التحدي الأميركية. فبعد أربعة أشهر من الإغلاق الأخير، يريدون رؤية المزيد من نتائج المخاطر المحسوبة التي يديرها «فريق عمل اللقاحات»، الذي صمم برنامج لقاح ناجحاً في بريطانيا.
هُم يرون أنَّ رئيس الوزراء يسترشد إلى حد كبير بـ«المبدأ الوقائي»، النموذج الأوروبي لصنع القرار، وسط حالة من عدم اليقين. إنهم لا يحبذون ذلك ويريدون عودة بوريس القديم – ذلك الشخص الذي كتب في عام 2004 في مقال ضد فكرة بطاقات الهوية، أنه سيمزقها بأسنانه حال طُلب منه إبراز تلك البطاقة لأنَّ «التطرف في الدفاع عن الحرية ليس رذيلة».
لا ينبغي الاستهانة بالمقاومة، فقد انضم ما لا يقل عن 40 من أعضاء البرلمان من حزب المحافظين إلى نواب من أحزاب أخرى لمعارضة خطط جونسون للحصول على شهادات اللقاح، كما قرر حزب العمل التصويت ضده. في مؤتمر صحافي عقد مؤخراً، تجنّب جونسون الأسئلة الصعبة حول خططه، لكن هذا لن يجدي نفعاً. فإذا كان يريد بيع حزبه وبلده وفق النهج الذي يرغب في اتباعه، فسيتعين عليه إثبات أنَّ هذا النهج مناسب ومؤقت على حدٍ سواء.
في هذا الصدد، قال ستيف بيكر، المشرّع البارز في مجلس النواب والمعارض الشرس لعمليات الإغلاق، إن خطة إصدار شهادات اللقاح ستخلق «واقعاً مريراً لبريطانيا كنقطة تفتيش». فانعدام المساواة والخلافات والتوسع في ممارسة الأعمال ليست سوى بعض من الأسئلة العديدة – القانونية والأخلاقية والعملية – التي تثيرها شهادات اللقاح.
في أميركا كانت إدارة بايدن تحاول أيضاً إيجاد طريقة لإصدار شهادات إلكترونية للقاحات، لكن كان عليها التراجع في ظل معارضة شديدة من الجمهوريين الذين عبروا عن قلقهم من أي شيء ينمُّ عن إكراه أو تقييد للحريات الفردية.
بعض الانتقادات في حالة بريطانيا تطرقت إلى جدل سفسطائي، إذ أوضح جونسون أنَّه لا ينوي استخدام الشهادات في وسائل النقل العام أو المحلات الأساسية والخدمات العامة، وأنَّها لن تكون الطريقة الوحيدة لدخول الفعاليات الرياضية أو الحفلات الموسيقية. فسيكون الاعتماد أيضاً على اختبار إثبات المناعة الطبيعية من عدوى سابقة. فقد اقترح ما يراه فوائد حقيقية، مثل إمكانية رفع قواعد التباعد الاجتماعي المتبقية حتى يشعر الناس براحة أكبر في العودة إلى الأماكن الأكثر ازدحاماً.
حاولت الحكومة في وقت متأخر تهدئة المخاوف من اتساع مهام العمل، من خلال الوعد بفرض رقابة برلمانية، وهو أمر ضروري. فقد صدرت تقارير، الأسبوع الماضي تفيد بأن جونسون يخطط لاستخدام الشهادات فقط في الأحداث واسعة النطاق، التي من المحتمل أن تواجه معارضة أقل والتي ستكون بمثابة إغاثة لأصحاب الحانات.
ومع ذلك، فإن إدخال شهادات اللقاح لا يمثل تقليصاً لحرية التنقل مقارنة بعصر ما قبل الجائحة. السؤال هو ما إذا كانت الشهادة ستكون آمنة وسهلة ومحددة الوقت.
الحجة الرئيسية المؤيدة هي أن برنامج التطعيم لا يلغي خطر عودة الظهور. ويقول مستشارون حكوميون إن الإقبال على اللقاح كان قوياً للغاية، لكنه قد ينخفض بنسبة تصل إلى 20 في المائة بين الفئات العمرية الأصغر.
تتنبأ النمذجة التي تستخدمها الحكومة بزيادة عدد حالات الاستشفاء والوفيات، مع عودة أسوأ سيناريو إلى المستويات التي شوهدت في يناير (كانون الثاني). حتى في ظل السيناريوهات الأكثر اعتدالاً، ستكون هناك حاجة إلى اتخاذ احتياطات لبعض الوقت في المستقبل، مما يوحي بأننا نمر بمرحلة انتقالية طويلة قبل العودة إلى الحياة الطبيعية.
قد توفر تجربة الولايات المتحدة لجونسون بعض الدعم في هذه النقطة: فالبلاد أيضاً في سباق لمواصلة التطعيم قبل انتشار الفيروس، وارتفع عدد الحالات الجديدة في 23 ولاية. ودفعت السرعة التي جرى بها إسقاط القيود روشيل والينسكي، مديرة مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، إلى التحذير مؤخراً من «الهلاك الوشيك».
ويبدو أن الأميركيين قد يتوقون بالفعل إلى بعض الحماية، حيث وجد باحثان في «كلية بوث لإدارة الأعمال» بجامعة شيكاغو أن المشاركين في دراسة صغيرة فضّلوا سياسات أكثر صرامة (بما في ذلك المستشفيات التي لديها سياسة تطعيم للموظفين أو شركات الطيران التي تتطلب أقنعة) ويميلون إلى التقليل من تلك الإجراءات في غير ذلك من الأماكن.
يبدو البريطانيون منفتحين على المبادرات الجديدة التي تهدف إلى الحفاظ على سلامتهم، حيث حظيت عمليات الإغلاق بدعم شعبي. ففي استطلاع حديث أجرته شركة «أبسوس موري»، أفاد 78 في المائة ممن شملهم الاستطلاع بأنهم يؤيدون مقترح جوازات سفر اللقاح للسفر الدولي ولزيارات التمريض المنزلية، و68 في المائة يؤيدون حضور المسرح، ويرى ستة من كل 10 بريطانيين أن هناك فوائد محتملة للاقتصاد من تقديم الشهادات تفوق أي مخاوف أخلاقية.
تشير هذه الاستطلاعات إلى أنه حتى في أكثر البلدان فردية، ربما جعلنا الوباء أكثر استعداداً لمنح الدولة مهلة للحفاظ على سبل حمايتنا في الوقت الحالي. فبمجرد التطعيم قد لا يشكل الفيروس تهديداً أكبر من الإنفلونزا، ولكن حتى يتم التأكد من ذلك، سيرغب الناس في معرفة أن الدولة تدعمهم حقاً. لذلك سيتعين على جونسون القيام بعمل أفضل بكثير في إقناع حزبه بذلك.
نقلاً عن الشرق الأوسط