بقلم: محمد خليفة – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – صعد التطرف على حين غفلة من هذه الأمة، واستقطب إليه عشرات الآلاف من الأتباع والمؤيدين، خاصة من الشباب، ممن أوقفتهم خيالاتهم الطائشة عند حدود الماضي السحيق، وظهرت تنظيمات متطرفة، يخطئها الحصر، على امتداد رقعة العالم العربي والإسلامي، من شرقه لغربه.
أخطر هذه التنظيمات على الإطلاق كان ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية، أو «داعش» كما يُطلق عليه، والذي انتشر، مصحوباً بتأويلات خاطئة عن أحاديث نبوية تتحدث عما يسمى «علامات الساعة»، ما ساعد هذا التنظيم على أن يستقطب إلى «دولته»، التي أعلنها في العراق وسوريا، الكثير من الباحثين عن الحلم الخادع. وسرعان ما أدرك العالم مخاطر بقاء هذا التنظيم، فكانت الحرب الدولية التي شُنت عليه في مركز تواجده الرئيسي في العراق وسوريا، ما أدى إلى انهياره في هذين البلدين، لكنه لم ينته من هذه المنطقة؛ حتى وجد له أرضاً خصبة في ليبيا، وبعض دول الصحراء، وفي أفغانستان، إضافة إلى المؤيدين والمتعاطفين من بعض «التجمعات الإسلامية» في مختلف بقاع العالم.
ونظراً للخطورة التي يمثلها «داعش» على حاضر ومستقبل الأمتين العربية الإسلامية، فقد انعقد في مدينة مراكش المغربية، العام الماضي، مؤتمر دولي تحت عنوان «ما بعد داعش: التحديات المستقبلية في مواجهة التطرف والتطرف العنيف»، شدد المشاركون فيه على أن القضاء على هذا التنظيم ليس انتصاراً نهائياً عليه، وإنما هو ولادة جديدة له في مناطق أخرى من العالم، خصوصاً منطقة الساحل، والصحراء الكبرى، وغرب إفريقيا، والقرن الإفريقي، وحتى وسط آسيا فوق التراب الأفغاني؛ من خلال إنشاء قواعد خلفية جديدة ستكون مركزاً لتوجيه ضربات في مختلف بقاع العالم، خصوصاً أوروبا والولايات المتحدة، اعتماداً على الأساليب الإرهابية المستجدة المعروفة بـ«الذئاب المنفردة». وهو أسلوب خرج إلى الوجود نتيجة نجاح الأجهزة الأمنية في تضييق الخناق على العناصر المتطرفة، التي لم تجد بداً من اللجوء إليه لما يتميز به من سرية وصعوبة في الرصد من طرف الأجهزة الأمنية.
وقد ظهرت تلك التسمية بعد الهجمات التي شنها متطرفون أوروبيون في دول مثل فرنسا وبلجيكا وألمانيا وإسبانيا، وغيرها، والتي أدت إلى مقتل وجرح مئات الأبرياء. ونبهت الهجمات الدول المختلفة إلى خطورة هذا النوع من الإرهابيين الذين يعيشون في مجتمعاتهم حياة هادئة، لكنهم في لحظة معينة ينقلبون على حياتهم، ويرتكبون جرائمهم البشعة. وأحدث هذه الجرائم مقتل عشرة أشخاص أبرياء في هجوم مسلح في متجر بمدينة بولدر في ولاية كولورادو الأمريكية، الأسبوع الماضي، على يد شاب متطرف ينتمي إلى التنظيمات المتطرفة.
والواقع أن مكافحة تلك «الذئاب المنفردة» هي مهمة أصعب بكثير من مهمة القضاء على تنظيم مسلح متطرف في مواجهة عسكرية؛ لأن العدو في هذه الحالة معروف ومحدد، لكن المتطرف الذي يلبس ثياب الإنسان العادي هو عدو غير معروف، وهنا تكمن خطورته. وكان «داعش»، ولا يزال، يعلن مسؤوليته عن كل جريمة يقترفها «ذئب منفرد» في دولة ما من دول الغرب، لتغذية حالة التخوف من المهاجرين المسلمين بين الشعوب الغربية، ما يهيئ لظهور حالة رفض عامة لوجود أولئك المهاجرين، بهدف الفتنة والتخويف. وإن حدث ذلك سيكون انتصاراً كبيراً لرغبة «داعش»، الذي بنى أيديولوجيته على ثنائية الإيمان والكفر في الأرض. ورغم ظهور أحزاب يمينية رافضة لوجود المهاجرين، ولاسيما من العالم الإسلامي في دول أوروبية عدة، لكن لا تزال سياسة الاتحاد الأوروبي تقوم على أساس احترام وتقدير الإنسان بصرف النظر عن أصله ودينه. ولا شك في أن ترسيخ هذه السياسة في المستقبل من قبل دول أوروبا سوف يقطع الطريق بشكل نهائي على «داعش»، الذي يسعى لإشعال الحرب الدينية التي يريدها لتدمير العالم.
إن المتطرفين الذين يعيشون وسط ثنائيات فكرية لا يمكنهم العيش في مجتمعات تقوم على التعدد والتنوع الديني والعرقي والفكري، ولذلك فمشروعهم لا يمكن أن يعيش إلا وسط الظلام الفكري. ومن هنا، فإن النخب المثقفة في هذه الأمة مدعوة للاضطلاع بدور تاريخي لتوعية الأجيال العربية من خطورة الفكر المتطرف، الذي لا يريد نسف الحضارة المعاصرة فقط، بل يسعى إلى فرض أنماط وحشية والعودة بالبشرية إلى عصور ما قبل الكتابة.