بقلم: حافظ البرغوثي – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – أعادت مصر بعث تراثها الحضاري الضارب في القدم بموكب نقل مومياوات الملوك التحتموسيين والرمسيسيين في استعراض ملكي قل مثيله في العصر الحديث وبعظمة تليق بتاريخ مصر العظيم لاستعادة مكانتها وجهة سياحية أولى في العالم، لأن مصر تحتوي على أكثر من نصف المعالم الأثرية في العالم، ناهيك عما نُهب منها من قبل البعثات الأثرية الفرنسية والإيطالية والبريطانية والألمانية بحيث باتت خارج مصر كمية كبيرة من الأثريات المصرية، وقد خصص متحف اللوفر في باريس جناحاً كبيراً للأثريات المصرية.
لقد تراجعت السياحة في مصر في العقود الأخيرة بسبب الإهمال وعدم التنظيم في هذا القطاع الحيوي، ثم بسبب جائحة كورونا، وصارت إسبانيا أكثر جذباً للسياح، فبينما زار مصر سنة 2018 قرابة 11 مليون سائح، نجد أن إسبانيا جذبت 83 مليون سائح في السنة نفسها. وبينما يزور هرماً صناعياً في لاس فيجاس الأمريكية قرابة أربعين مليون زائر لا يزور الأهرامات المصرية إلا بضعة ملايين.
لعل مشروع المدينة الإدارية يخفف من أزمات القاهرة ويجعلها وجهة سياحية بما تحويه من آثار قديمة وأهرامات وعمائر إسلامية وقبطية.
السياحة في مصر يمكن أن تكون المصدر الرئيسي للدخل وتكون الوجهة السياحية الأولى عالمياً بما اكتشف فيها من آثار وغرائب وما سيكتشف، لأن ما خفي تحت رمالها أكثر مما تم كشفه، فالحضارة المصرية القديمة هي الأغرب في العالم ولم يتم الكشف عن أسرارها كلها حتى الآن، وما زالت تحير العلماء من حيث عظمتها وغموض أدواتها. والسؤال المحير فيها هو.. كيف أن حضارة متقدمة في حينه تندثر ولا تترك أحداً يتحدث لغتها إلا بعد كشف حجر رشيد، فأين ذهب المصريون القدماء الذين كتبوا بالهيروغليفية؟ ثم كيف كان بإمكان المصريين بناء صروح ومعابد وأهرامات بهندسة دقيقة ما زالت موضع حيرة؟ وكيف كانوا ينقلون ويرفعون وينحتون صخوراً ضخمة من الجرانيت؟ فتمثال رمسيس في أسوان نحت من جبال البحر الأحمر التي تبعد مئات الكيلومترات عن أسوان ووزنه 95 طناً فكيف نقل عبر جبال صخرية جرداء؟ ثم كيف تم رفع حجارة الأهرام ووزنها بالأطنان؟
النهوض الاقتصادي المصري هو نهوض لكل العرب، حيث تعرضت مصر تاريخياً، في العصور الحالية وما قبلها لتدخلات أجنبية لمنعها من التنمية والنهوض بدءاً من محاولة محمد علي باشا توحيد المشرق العربي في مواجهة الأتراك حيث تحالف الفرنسيون والإنجليز والترك رغم أنهم كانوا في حالة عداء ضده لأنه أراد تنمية مصر، وصولاً إلى الاحتلال البريطاني ثم العدوان الثلاثي سنة 1956 بعد تأميم قناة السويس ومعارضة الغرب إنشاء السد العالي لأنه عنصر تنمية وصولاً إلى عدوان 1967.
فدائماً كان هناك من يمنع مصر من نهوضها وتنميتها لأن من يتربصون شراً بالأمة يدركون أن مصر هي الأساس القوي في المنطقة وبإضعافها تتراجع الأمة.
وقد شاهدنا كيف أن كثيراً من الدول التي تحسد مصر على موقعها الجغرافي استعرضت مشاريعها المنافسة لقناة السويس في الأسابيع الأخيرة بعد توقف الملاحة فيها لعدة أيام، وكلها مشاريع استعراضية لا تقوم مقام قناة السويس لكنها لمنافسة مصر.
الآن تبدو مصر على الطريق الصحيح للتنمية وإيلاء السياحة أهميتها وتسهيلها وتنظيم البنية التحتية حتى تكون أهم معلم سياحي في العالم. مصر التي تعتبر متحفاً متكاملاً أينما اتجهت في مختلف محافظاتها، يجب أن تكون محط أنظار العالم كوجهة سياحية لا يمكن مضاهاتها بأي وجهة سياحية في العالم.