بقلم: هشام ملحم – النهار العربي
الشرق اليوم- الاتفاق التقني الذي تم التوصل اليه بين الولايات المتحدة وإيران في المفاوضات غير المباشرة بينهما في فيينا، يقضي بتشكيل فريقي عمل لدراسة سبل عودة البلدين الى الالتزام ببنود الاتفاق النووي الموقع في 2015، والذي انسحب منه الرئيس دونالد ترامب في 2018، وبدأت إيران بانتهاك بنوده في 2019 خصوصاً تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة، أي اضعاف ما سمح به الاتفاق الأصلي. الاتفاق إذاً هو للتوصل الى آلية تعيد الطرفين الى المفاوضات المباشرة في سياق عملية مفاوضات إيران مع مجموعة (5+1). الناطق باسم وزارة الخارجية نيد برايس وصف الاتفاق بأنه خطوة “بناءة”، بينما قال مسؤولون آخرون إن هذا الاتفاق التقني هو أكثر ما يمكن توقعه في الجولة الأولى من مفاوضات يلتقي جميع المشاركين فيها وجميع الذين يراقبونها، في أنها ستكون صعبة وطويلة ومحفوفة بالمطبات.
ويفترض أن يقوم فريق العمل الأول بدراسة كيفية وتوقيت عودة الولايات المتحدة الى الاتفاق من خلال إلغاء العقوبات القاسية والمتشعبة التي فرضها أو أعاد فرضها الرئيس السابق ترامب في سياق ما عرف بسياسة “الضغوط القصوى” في أعقاب انسحابه الأحادي الجانب من الاتفاق. ووفقاً لصحيفة “النيويورك تايمز” وصل عدد هذه العقوبات التي شملت كل أوجه الحياة في إيران الى حوالى 1600 عقوبة، تشمل كيانات ومؤسسات اقتصادية ومالية – أبرزها البنك المركزي – ومدنية وعسكرية، من بينها “الحرس الثوري”، وأفراداً، وتغطي قضايا تتراوح بين دعم الارهاب وانتهاك حقوق الإنسان. إلغاء بعض هذه العقوبات سوف يستغرق وقتاً طويلاً، خصوصاً أن الغاء العقوبات المهمة يتطلب موافقة الكونغرس.
وسوف يقوم فريق العمل الثاني بدرس سبل عودة إيران للالتزام ببنود اتفاق 2015، وبخاصة لجهة القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم وتصنيع أجهزة طرد مركزي متطورة. وبدأ الخبراء في فريقي العمل بنشاطاتهم التي ستستمر حتى بعد عودة المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين الى عواصمهم.
التأخر في استئناف المفاوضات الموسعة، وإصرار إيران، في هذه المرحلة الأولية على الأقل، أن تتفاوض مع الولايات المتحدة عبر الأطراف الأخرى وليس في شكل مباشر، يعود للشكوك العميقة لدى الطرفين حول جدية الطرف الآخر، خصوصاً من قبل إيران التي تشكو من أن الجانب الأمريكي هو الذي انسحب أولاً من الاتفاق، وأنها تريد ضمانات أن واشنطن لن تتخلى عن أي التزامات جديدة يمكن أن تتوصل اليها المفاوضات. هذه المرة، تجد الولايات المتحدة نفسها ليس فقط في مواجهة دولة متصلبة مثل إيران، بل في مواجهة دولتين قويتين هما الصين وروسيا اللتين طورتا علاقاتهما مع إيران خلال ولاية الرئيس السابق ترامب، ما يجعل الدول الثلاث التي فرضت عليها واشنطن عقوبات اقتصادية مختلفة في السنوات الماضية، أعضاء في أئتلاف ضمني.
أيضاً يواجه كل من الولايات المتحدة وإيران معارضة داخلية قوية، إما لاستئناف المفاوضات من حيث المبدأ، أو معارضة تصر على فرض شروط أقوى قبل استئناف المفاوضات الجدية. الروزنامة الداخلية في إيران تضع الضغوط على الوفد الإيراني وعلى الرئيس حسن روحاني للتحرك بسرعة قبل الانتخابات الرئاسية في 18 حزيران (يونيو) المقبل، إضافة الى قرب انتهاء الفترة الزمنية التي يمكن فيها لفرق التفتيش الدولية أن تقوم بمعاينة المنشآت النووية الإيرانية من دون سابق إنذار. في الولايات المتحدة هناك كتلة مهمة من المشرّعين الجمهوريين الذين وجدوا دعماً من بعض المشرعين الديموقراطيين خصوصاً في مجلس الشيوخ والذين طالبوا الرئيس جو بايدن في رسائل وجهوها له قبل أسابيع من المفاوضات لاتخاذ موقف متشدد أكثر في المفاوضات النووية مع إيران. ويُعتقد أن إصرار الرئيس بايدن على عدم إلغاء أي عقوبات ضد إيران، قبل عودتها للالتزام ببنود الاتفاق والتوقف عن انتهاكاتها، يعود لرغبته بتفادي تعريض نفسه لانتقادات قوية من الحزبين في الكونغرس.
وليس من الواضح في هذه المرحلة المبكرة كيف سيتم تصميم التحركات السياسية وتوقيتها وبرمجتها من قبل الطرفين للعودة التدريجية الى المفاوضات عبر إلغاء بعض العقوبات الأمريكية مقابل التزام إيران بعض بنود الاتفاق، والتحقق من هذا الالتزام. ويُعتقد أن فترة تصميم هذه التحركات او الرقصات التقنية والسياسية سوف تستغرق بضعة أشهر، قبل العودة عملياً الى ما تم التوصل اليه في 2015.
ولكن الرئيس بايدن، يريد أن يحقق أكثر من مجرد إحياء اتفاق وقع قبل 6 سنوات، وبعض فتراته الزمنية سوف ينتهي أمدها بعد بضع سنوات فقط. بايدن يصر – ومن ورائه الكونغرس – على إحياء الاتفاق فقط من أجل “تطويره وتطويله”، أي إبقاء القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني لتشمل ليس فقط العقد الثالث من القرن الحالي بل أكثر. كما أن الرئيس بايدن ألزم نفسه العمل على فرض قيود على برنامج الصواريخ الإيراني تشمل تقليص مدى هذه الصواريخ وكذلك تخفيف قدرتها على حمل رؤوس حربية ثقيلة. وكانت إيران قد نجحت في المفاوضات مع ادارة الرئيس الأسبق باراك أوباما في صد الضغوط الأميركية لإدراج برنامجها الصاروخي الطموح كملحق في الاتفاق النووي. ويرى العديد من الخبراء العسكريين والاختصاصيين الأميركيين أن البرنامج الصاروخي الإيراني أصبح متقدماً للغاية – لجهة مدى الصواريخ وقدرتها على حمل الرؤوس الحربية – ما يعني أن الحصول على تنازلات إيرانية في هذا المجال سيكون صعباً للغاية وربما مستحيلاً. وأخيراً يريد الرئيس بايدن، أن يتفاوض مع الإيرانيين، على هامش المفاوضات النووية، حول سبل احتواء ما يسميه المسؤولون والمحللون الأمريكيون السلوك التخريبي الإيراني في أربع دول عربية: العراق وسوريا واليمن ولبنان. ويعتبر اخفاق إدارة الرئيس أوباما، وبايدن كان لاعباً أساسياً فيها، في لجم أو صد هذا السلوك الإيراني التخريبي الإقليمي من أبرز إخفاقات أوباما في المنطقة.
الإيرانيون من جهتهم يصرّون على أنهم لا يريدون بحث أي شيء أبعد من إحياء الاتفاق النووي الأصلي، ويصرون على أن برنامجهم الصاروخي لم يكن جزءاً من الاتفاق النووي، كما أن نفوذهم الإقليمي، هو مسألة لا علاقة لها باتفاق تقني محض.
وبعد 6 سنوات من إبرام الاتفاق النووي في 2015، يعود معظم المفاوضين من البلدين الذين توصلوا اليه، الى محاولة إحيائه، وربما تطويره. رئيس الوفد الأمريكي في فيينا هو روبرت مالي، الذي كان من المفاوضين الرئيسيين في 2015، والذي عينه الرئيس بايدن مبعوثاً خاصاً لايران. رئيس الوفد الايراني هو نائب وزير الخارجية عباس عراقجي الذي شارك مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في المفاوضات السابقة. الرئيس بايدن أعاد معظم الذين فاوضوا إيران في السابق الى إدارته، ومن بينهم وزير الخارجية انتوني بلينكن، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية بيل بيرنز، ونائبة وزير الخارجية ويندي شيرمان، التي قامت مع روبرت مالي بالجزء الأعظم من المفاوضات السابقة.
هؤلاء الدبلوماسيون المخضرمون في البلدين، والذين يعرفون بعضهم البعض، يدركون أنهم في بداية جولة جديدة من مفاوضات صعبة وطويلة ومحفوفة بالمخاطر وغير مضمونة النتائج.