الرئيسية / دراسات وتقارير / العودة الأوروبية لتركيا.. أجندة إيجابية وعام مُبشِّر

العودة الأوروبية لتركيا.. أجندة إيجابية وعام مُبشِّر

الشرق اليوم- لدى كل من تركيا والاتحاد الأوروبي رغبة وتصميم على تخطي العقبات والمشاكل المزمنة العالقة بينهما، لصالح البحث عن المشتركات، وتبادل المنافع والمصالح.

وهو ما أظهرته مباحثات كل من ورئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين، ورئيس مجلس الاتحاد، تشارلز ميشيل، في أنقرة الثلاثاء، حيث ركزت على مجالات دعم ما تُسمى بـ”الأجندة الإيجابية” في العلاقات الثنائية.

تركيًا، قال المتحدث باسم الرئاسة، إبراهيم قالن، الثلاثاء: إن اجتماع الرئيس رجب طيب أردوغان مع ميشيل وفون دير لاين “جرى في أجواء إيجابية”، وتناول مشكلة اللاجئين، وتحديث اتفاقيتي الهجرة والاتحاد الجمركي، وإعفاء المواطنين الأتراك من شرط التأشيرة الأوروبية، والاستشارات السياسية بين الجانبين.

ودعا أردوغان المسؤولين الأوروبيين إلى اتخاذ خطوات ملموسة لدعم “الأجندة الإيجابية” بين الجانبين، وأكد أن الهدف النهائي لتركيا من مفاوضاتها مع الاتحاد هو العضوية التامة في صفوفه، بحسب قالن.

أوروبيًا، قالت فون دي لاين، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع ميشيل: إن “تركيا أظهرت بشكل إيجابي رغبتها في تعزيز العلاقات، ونحن جئنا إلى تركيا لنحقق هذه الإضافة”.

وأضافت: أن المرحلة القادمة لن تقتصر على تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي، بل ستشمل أيضا البحث عن سبل تطوير التعاون بين القطاعات العامة والخاصة بين الجانبين”.

أما ميشيل، فقال إن مصلحة الاتحاد الأوروبي الاستراتيجية تتمثل بالاستقرار والأمن في منطقة شرقي البحر المتوسط والعلاقات الإيجابية ذات المنفعة المتبادلة مع تركيا.

وأضاف: أن “الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لتركيا، والتعاون الاقتصادي سيتطور بشكل كبير”.

وأعرب ميشيل عن تقديره لاستضافة تركيا 4 ملايين لاجئ سوري، وضرورة أن يواصل الاتحاد دعمه لها في هذا الشأن، ولفت إلى حدوث تطورات إيجابية بين تركيا والاتحاد الأوروبي في الأشهر الأخيرة.

فرصة للطرفين

وبالفعل، سبقت هذه الزيارة سلسلة من التصريحات ساهمت إلى حد كبير في تراجع حدة التوترات، التي وصلت في وقت ما لدرجة فرض عقوبات أوروبية على تركيا.

فردا على عمليات تنقيب عن النفط والغاز أطلقتها أنقرة في شرقي المتوسط، وافق قادة الاتحاد، في 11 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، على توسيع العقوبات “الفردية” بحق تركيا، على أن لا تطال اقتصادها.

أما الآن، فثمة فرصة لتركيا والاتحاد الأوروبي لرفع مستوى العلاقات بينهما، في حال قيام كل منهما بواجبه.

أولا، مطلوب من أنقرة تخفيف حدة التوتر في شرقي المتوسط، وهذا ليس بالأمر الهين، إذ يعني ببساطة التخلي عن حقها الطبيعي في مياهها الإقليمية، خصوصا مع استمرار اليونان في استفزازتها. ومع ذلك ربما ترجح أنقرة الذهاب إلى التهدئة للحفاظ على دفء العلاقة مع بروكسل (مقر الاتحاد).

وثانيا، يجب على أنقرة العودة إلى العمل بالجدية والوتيرة نفسها التي كانت عليها إبان وصول حزب “العدالة والتنمية” إلى سدة الحكم، عام 2002، حيث قطعت أشواطا معتبرة على طريق الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي.

وعندها ستتمكن أنقرة من دفع بروكسل إلى الرد بشكل أكثر إيجابية، وستضطرها إلى التوقف عن موقفها التمييزي بشأن عضوية كاملة لتركيا في الاتحاد.

“أجندة إيجابية”

تملك تركيا سادس أكبر اقتصاد في أوروبا، وتقيم مع الاتحاد الأوروبي علاقات تجارية واقتصادية مكثفة، ويعتبر الاتحاد أكبر الشركاء التجاريين والاستثماريين لتركيا.

وتشكل تجارة تركيا مع الدول الأعضاء في الاتحاد 40% تقريبا من تجارتها الإجمالية. كما أن اقتصاد الاتحاد الأوروبي وتركيا بات متداخلا، بعد أن تضاعف التبادل التجاري بينهما أكثر من 4 مرات منذ تأسيس الاتحاد الجمركي بين الجانبين.

وتأتي تركيا في المرتبة الخامسة على قائمة أهم الشركاء التجاريين للاتحاد، وهي مقصد مهم للاستثمارات الأوروبية، بفضل استمرار التكامل التجاري والإنتاج بالتعاون مع دول الاتحاد.

وتشمل الاستثمارات التركية في أوروبا مجالات صناعة السيارات والصناعات النسيجية، فيما شهدت الاستثمارات الأوروبية في تركيا تطورا مهما؛ بفضل تكامل شبكات الإنتاج مع الشركات الأوروبية، مما ساهم في خلق فرص عمل في تركيا وزيادة في متوسط الرواتب.

وحددت قمة قادة الاتحاد الأوروبي، يومي 25 و26 مارس الماضي، ملفات إيجابية مع تركيا، وبينها: تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي، والتعاون في مجال اللاجئين، وتعزيز العلاقات الاجتماعية، وبدء حوار رفيع المستوى بين الجانبين.

وفي 18 مارس 2016، توصل الجانبان إلى 3 اتفاقات مرتبطة ببعضها حول الهجرة، وإعادة قبول طالبي اللجوء، وإلغاء شرط حصول المواطنين الأتراك على تأشيرة لدخول دول الاتحاد.

وبينما أوفت أنقرة بالتزاماتها حسب الاتفاقين الأولين، لم تقم بروكسل بما يقع على عاتقها بخصوص إلغاء تأشيرة الدخول للأتراك وبنود أخرى، وفق مراقبين.

الاتحاد الجمركي

في 1 يناير 1996، دخلت اتفاقية انضمام تركيا للاتحاد الجمركي الأوروبي حيز التنفيذ، وشكل الاتحاد الجمركي البعد الرئيسي للعلاقات بين الطرفين.

ويمثل مجلس الشراكة ولجنة الشراكة ولجنة التعاون الجمركي واللجنة المشتركة للتعاون الجمركي، الأجهزة الرئيسية لنظام الشراكة القائم حاليا بين الجانبين.

بالنظر إلى التجارب التي اكتسبتها تركيا من الاتحاد الجمركي القائم، وإلى النتائج الإيجابية لعملية مواءمة التشريعات التي نفذتها لغاية اليوم، بصفتها دولة مرشحة لنيل العضوية الكاملة، فإن تطوير وتعزيز العلاقات التجارية مع أوروبا، يعد ضرورة قصوى لأنقرة، حيث يجعلها شريكا استراتيجيا للاتحاد.

وانطلاقا من هذه الفكرة، اكتسبت المباحثات بين المسؤولين الأتراك وميشيل وفون دير لاين أهمية إضافية على قاعدة المنفعة المتبادلة لتحديث الاتحاد الجمركي والعلاقات التجارية.

تجاريا، مالت الكفة لصالح دول الاتحاد الأوروبي على حساب تركيا، فكانت المستفيد الأكبر من وجود أنقرة في منظومة الاتحاد الجمركي.

ولذلك تسعى أنقرة إلى إدخال تعديلات على اتفاقية الاتحاد الجمركي من شأنها إعادة التوازن للعلاقات التجارية بين الطرفين.

رؤية أوروبية موحدة

في 2005، بدأت أنقرة محادثات رسمية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن العملية تجمدت مع اندلاع خلافات بين الطرفين.

ويشهد الاتحاد انقساما في آراء أعضائه بشأن كيفية التعامل مع تركيا. فهناك طرف، تمثله اليونان وفرنسا وقبرص اليونانية، يدفع دائما إلى اتخاذ مواقف متشنجة ومتشددة من أنقرة.

بينما يعمل الطرف الآخر، بقيادة ألمانيا، على تأسيس أجواء من الثقة والتعاون وبناء الشراكات مع أنقرة.

وفي 25 مارس الماضي، اعتبر منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أن العرض الأخير للتعاون من قادة الاتحاد “يمكن أن يكون فصلا جديدا في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بعد تدهورها في 2020”.

وتابع: “لا يزال الوضع هشا، لكن الاتحاد الأوروبي يرحب بهذه التطورات والإيماءات القادمة من جانب تركيا، ورد بمد يده”.

 أهمية وتوقيت الزيارة

تمثل زيارة رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي ورئيس مجلس الاتحاد لتركيا، بعد انتهاء قمة قادة الاتحاد الأسبوع الماضي، تطورا مهما وعلامة فارقة في العلاقات مع أنقرة، خصوصا إذا أمعنا النظر في ما تضمنه جدول أعمال الوفد الأوروبي من مسائل حساسة في غاية الأهمية والحيوية للطرفين.

وثمة ملفات مهمة عديدة تمنح تركيا دورا مهما في العلاقات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي، منها قضية اللاجئين، والدور التركي النشط في كل من سوريا وليبيا، وأزمة جنوب القوقاز.

واكتسبت زيارة ميشيل وفون دير لاين لتركيا أهمية إضافية من خلال “الأجندة الإيجابية”، فهي تملك القدرة على تحقيق تقدم وإحداث اختراق في الملفات الصعبة الشائكة، وكذلك تستطيع العودة من شفير الأزمات.

ومن الواضح، في ضوء الزيارة الأوروبية وما سبقها، أن الاتحاد الأوروبي سيولي أهمية أكبر لعلاقاته مع تركيا في 2021، وربما يفتح فصولا جديدة في مسار انضمامها إلى الاتحاد.

المصدر: الأناضول

شاهد أيضاً

هل انتهى محور الممانعة؟

الشرق اليوم– هل انتهى محور المقاومة والممانعة الإيراني؟ سؤال يصح طرحه بعد مرور أكثر من عام على …