بقلم: خيرالله حيرالله – النهار العربي
الشرق اليوم- ليست زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي دولة الإمارات العربيّة المتحدة بعد المملكة العربيّة السعودية سوى دليل آخر على رغبة في إعادة العراق الى ما يفترض أن يكون عليه وتصميم على ذلك. أي دولة طبيعية وفاعلة تهتمّ بأمور شعبها على علاقة جيدة مع جيرانها، مثل تركيا وإيران، ومع كل الدول العربيّة، في مقدّمها دول الخليج.
ثمّة إصرار لدى مجموعة واعية وكبيرة من العراقيين، برغم كلّ التحدّيات والصعوبات، على عودة بلدهم دولة سيّدة مستقلّة تلعب دوراً متوازناً في المنطقة بدل أن تكون “ساحة” للآخرين وصراعاتهم.
كان العراق، العضو المؤسّس لجامعة الدول العربيّة، عامل استقرار في المنطقة، بعدما نجح في المحافظة على سلامة حدوده مع إيران لسنوات طويلة. بقي كذلك، برغم جنوحه الى السقوط التدريجي نحو الأسوأ منذ الانقلاب الذي وقع في الرابع عشر من تمّوز (يوليو) 1958 وأنهى النظام الملكي بطريقة أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها وحشية. لم يشهد العراق منذ سقوط النظام الملكي الهاشمي وقتل الملك فيصل الثاني وعدد كبير من أفراد العائلة وكبار المسؤولين، في مقدّمتهم رئيس الوزراء نوري السعيد، يوماً أبيض.
ذهب مصطفى الكاظمي بعد الرياض الى أبو ظبي. ذهب الى حيث يجب أن يذهب. إذا أخذنا الدور الذي لعبته دولة الإمارات دائماً في دعم العراق، منذ أيّام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، نجد أن رئيس الوزراء العراقي قصد العنوان الصحيح، العنوان الذي يمكن أن يساعد العراق في الانتقال الى وضع أفضل داخلياً وإقليمياً.
متى أخذنا ما مرّ به العراق في السنوات التي تلت انقلاب 1958، نكتشف أن البلد انتقل من السيئ الى الأسوأ. كان الاعتقاد السائد أنّ أسوأ ما يمكن أن يحصل للعراق هو السقوط تحت حكم صدّام حسين، الديكتاتور الريفي الذي أخذ البلد الى حرب طويلة مع إيران، ثم الى المغامرة المجنونة في الكويت… وصولاً الى رفض الاعتراف بالهزيمة والإصرار على تحدّي المجتمع الدولي والولايات المتحدة بطريقة مبتذلة.
ما حصل بعد الاحتلال الأميركي للعراق في 2003، جعل العراقيين يترحّمون على صدّام حسين ونظامه وارتكاباته. سلّم الأميركيون في عهد جورج بوش الابن العراق على صحن من فضّة الى إيران. لا بد من الاعتراف حالياً بأنّ معجزة حصلت بفضل الشيعة العرب في العراق خصوصاً. سمحت هذه المعجزة في تمكين الحكومة العراقية القائمة من أن تكون مختلفة في سياق البحث عن كيفية استعادة العراق وجعله بلداً للعراقيين.
ليس صدفة أن تكون دولة الإمارات المحطّة الثانية لمصطفى الكاظمي بعد السعوديّة. هناك مجالات واسعة للتعاون بين البلدين، خصوصاً في مجال التنمية في العراق والاستفادة من الدبلوماسية الهادئة التي ميزت دائماً السياسة الخارجية لدولة الإمارات. هذه الدبلوماسية الهادئة والجريئة في الوقت ذاته، التي يعبّر عنها حالياً أفضل تعبير الشيخ محمّد بن زايد وليّ عهد أبو ظبي، مكّنت الإمارات من تجاوز أزمات كثيرة والابتعاد عن المشكلات، كلّ أنواع المشكلات، والانصراف الى الاستثمار في توفير حياة رغيدة لشعبها وللمقيمين فيها.
من هذا المنطلق، أمام مصطفى الكاظمي، الساعي الى تغيير نحو الأفضل في العراق، تجربة يستطيع الاستفادة منها الى أبعد حدود. إنّها تجربة تقوم على الاهتمام بالمواطن الإماراتي وجعله أكثر تعلّقاً ببلده في كلّ يوم. الأكيد أن هذا ما يبحث رئيس الوزراء العراقي عنه وعن توفيره لبلده. فهو يعرف أنّه ما كان ليذهب الى السعوديّة والإمارات لولا دعم العراقيين له وشعوره بوجود قاعدة شعبيّة تؤيّد التوجّه نحو استعادة العراق ودوره في المنطقة.
يمتلك العراق ثروات ضخمة. العراق من البلدان القليلة في المنطقة التي لديها النفط والغاز والأراضي الزراعيّة والمياه. الأهمّ من ذلك كلّه، لديه الإنسان. تتيح زيارة مصطفى الكاظمي للإمارات فرصة للتفكير في كيفية تطوير ثروة الإنسان في العراق. فالإمارات استطاعت قبل أيّ شيء آخر التركيز على المواطن وعلى حقوق المرأة عبر قوانين عصريّة. وفّرت الإمارات في السنوات الأربعين الماضية فرص عمل لعشرات آلاف العراقيين اضطروا الى ترك بلدهم بسبب الكوارث التي حلّت به وبهم… بدءاً بالحرب العراقيّة – الإيرانية بين 1980 و1988 وصولاً الى الحصار بعد 1991 ثم بالنظام الجديد الذي قام بعد 2003، وهو نظام يكرّس المذهبيّة، كما لم يمتلك أي أفق باستثناء أفق الاستسلام لإيران وميليشياتها.
المهمّ حالياً، في ضوء زيارة رئيس الوزراء العراقي للإمارات، وجود إصرار على متابعة المسيرة الهادفة الى نقل العراق الى مكانه الطبيعي. لن يساعد ذلك العراق داخلياً فحسب، بل سيساعد أيضاً في التوازن الذي افتقدته المنطقة منذ تسليم الأميركيين العراق الى إيران وميليشياتها عام 2003.
الطريق غير سهلة أمام مصطفى الكاظمي، لكن نظرة الى الحوادث التي شهدها العراق في السنوات القليلة الماضية، منذ بداية ظهور تململ شعبي من إيران وأدواتها تحديداً، خصوصاً في الجنوب العراقي، تشير الى أنّ الأمل ليس مفقوداً. الأمل ليس مفقوداً في استعادة العراقيين العراق وليس مفقوداً في تمكن العراق من لعب الدور المطلوب منه لعبه بدعم عربي. دور الدولة القويّة المتماسكة القادرة على جعل التوازن الإقليمي حقيقة من جهة، والدرع التي تحمي بوابتي الخليج والمشرق العربي في آن، من جهة أخرى.