بقلم: أنس بن فيصل الحجي – اندبندنت العربية
الشرق اليوم- ما يطمح إليه متطرفو حماة البئية شيء، والواقع شيء آخر. وما يقوله السياسيون في الغرب شيء، وما سيحصل شيء آخر. لا شك في أن سياسات الحياد الكربوني ستؤثر سلباً وإيجاباً في أسواق الطاقة، وستخسر بعض المصادر حصتها لمصلحة المصادر الأخرى، ولكن الواقع يختلف عما يُخطَط له، لماذا؟
1- كل ما تم إعلانه عن أوقات محددة للوصول إلى الحياد الكربوني من قِبل الدول والشركات لا يتعدى الطموح والأحلام. فقد أعلنت هذه الدول والشركات عن أهدافها بالوصول إلى الحياد الكربوني في سنوات معينة، ولكنها لا تعرف كيف تصل إليه في ذلك الوقت المحدد، ولا كيف تدفع التكاليف، ومَن سيدفعها.
هذا ليس كلامي، هذا كلام المسؤولين في الحكومات والشركات التي أعلنت عن هدفها بالوصول إلى الحياد الكربوني في عام معين. وما يتم الآن في بعض الدول والشركات هو قيام الباحثين، بعد إعلان الحكومات والشركات عن التاريخ، بالعمل على كيفية الوصول إلى الحياد الكربوني في ذلك التاريخ.
وهناك يقع المستثمرون الذي يطالبون الشركات بتبني الحياد الكربوني في مأزق، لأن الأمر مُكلف، ومن ثم فإنهم إما يطمحون بأن تتحمل الحكومات تكاليف الوصول إلى الحياد الكربوني، أو أنها ستكون على حساب قيمة الشركة وأرباحها. فإذا تبنت الحكومة التكاليف، فإن ذلك يؤدي إلى التضخم، ومن ثم يؤثر سلباً في عوائد هؤلاء المستثمرين. وإذا تحملت الشركات التكاليف، فإن ذلك لا يخفض الأرباح فقط، وإنما يؤدي إلى التضخم أيضاً بسبب ارتفاع التكاليف، ومن ثم التأثير سلباً في عوائد المستثمرين.
والمشكلة التي لم ينتبه إليها المستثمرون هي أنه إذا حصل تغيير لخطوط الإنتاج في وقت واحد أو متقارب فإن ذلك يؤدي إلى نوع من الركود الاقتصادي بسبب انخفاض الإنتاج وانتاجية العمال ورأس المال، وهذا الكساد سيكون على حساب المستثمرين أيضاً.
وقد يقول قائل بأن المستثمرين في وضع أفضل على كل الحالات، لأن المقارنة يجب أن تتم بين الخسائر الضخمة بسبب التغيّر المناخي، وما سيكون عليه الوضع في حالة التخفيف منه. والرد على ذلك بأن هناك اختلافاً زمنياً بين الحالتين. المستثمر ينظر إلى أمواله حالياً وطيلة فترة حياته، ولا يهمه ماذا سيحصل لاستثماراته بعد 100 سنة من الآن. أما السياسي، فكل همه هو إعادة انتخابه في الدورة المقبلة.
المشكلة الأخرى هي أن الشركات والحكومات، في النهاية، ستأخذ الطريق الأسهل للوصول إلى الحياد الكربوني، والطريق الأسهل لا يعني بالضرورة الوصول إلى الهدف، ولا يعني الوصول إلى الهدف في الوقت المحدد. فهناك طرق عدة للوصول إلى الحياد الكربوني تتضمن التخفيف أو إلغاء الاعتماد على الوقود الأحفوري من طرف أو زرع الأشجار من طرف آخر. ونظرة حول العالم، توضح أنه في الوقت الذي ستخفف بعض الدول من استخدام الوقود الأحفوري ستقوم دول أخرى بزيادة استهلاكه. وفي الوقت الذي ستزيد بعض الدول أعداد الأشجار، ستقوم دول مثل البرازيل وإندونيسيا بقطع أشجار الغابات.
وعلينا أن نتذكر أنه بناءً على السياسات المختلفة، فإن سياسات الحياد الكربوني لا تعني انخفاض الطلب على الطاقة إطلاقاً، ولا تعني بالضرورة انخفاض الطلب على النفط والغاز.
وهناك مَن يقول إن أهداف الحكومات والشركات، إرشادية فقط، لتوجيه الجهود إليها. إذا كان الأمر كذلك، فلماذا ترتكز توقعات أسواق النفط والطاقة على حدوثها؟
خلاصة القول هنا إن إدراك المستثمرين وصنّاع القرار أن الطريق صعب ومكلف يعني تأخير فترة الوصول إلى الحياد الكربوني باستمرار. والحقيقة أن انفجار بركان هنا أو هناك، قد يؤخر الوصول إلى الحياد الكربوني لعقود. الفكرة هنا هي أن تبنّي قرارات الحكومات فكرة الوصول إلى الحياد الكربوني في تاريخ معيّن في التوقعات المستقبلية، يجب أن يكون مجرد سيناريو جانبي وليس السيناريو الرئيسي. السيناريو الرئيسي يفترض التأخير، لأنه الأكثر واقعية.
2- الطاقة المتجددة في كثير من الدول الغربية بدأت تنافس بعضها بعد أن توسعت على حساب الفحم والطاقة النووية. وهنا لا بد من تكرار حقيقة مفادها بأن الطاقة المتجددة في الدول الصناعية والصين والهند لا تنافس النفط لأنها تُستخدم في توليد الكهرباء، واستخدام النفط في توليد الكهرباء في هذه الدول محدود جداً. كما أن استخدام النفط في توليد الكهرباء عالمياً، بما في ذلك في الدول المنتجة للنفط، يمثل حوالى 5 في المئة فقط من الطلب العالمي على النفط، ويتوقع أن ينخفض إلى 3 في المئة خلال العقد المقبل. هذا يعني أن الإحلال محدود.
وفي نظرة عامة إلى التوقعات الحالية للطاقة المتجددة في الدول الغربية وغيرها، نجد أنها تركّز على الطاقة الإنتاجية، وليس ما سيتم إنتاجه فعلاً، وسينتهي الأمر بانخفاض نسبة التشغيل في أغلب هذه الوحدات، أو إغلاق بعضها.
الفكرة هنا أن فكرة الحياد الكربوني هي فكرة محاسبية يمكن للحكومات والشركات التلاعب بها كما تشاء، ومن ثم فإن استخدام الطاقة الإنتاجية بدلاً من الانتاج نفسه، يعطي نتائج مختلفة. كما أن اختيار أن يكون الإحلال محل الطاقة النووية أو الفحم يعطي نتائج مختلفة أيضاً. كما يمكن التلاعب بالفترات الزمنية أيضاً، حيث يمكن زيادة نسبة تشغيل طاقة الرياح على حساب الفحم، لإظهار التحسّن في الوصول إلى الحياد الكربوني. ويكفي دليلاً على ذلك أن شركة “وول مارت” المشهورة اكتشفت أنها “خضراء” بسبب وجود فتحات في السقف تسمح بمرور ضوء الشمس ما يزيد من الإضاءة في المحلات، والتي لو تم استبدالها بمصابيح فإنها ستزيد من إنتاج الكربون، ومن ثم فإن هذه الوفورات تُحسَب في عملية الوصول إلى الحياد الكربوني. وإذا حصل وجاء الصيف معتدلاً، فمن الطبيعي أن ترتفع مشاركة الطاقة المتجددة على حساب مصادر الوقود الأحفوري، وهذا سيجعل البعض يعتقد أن الحكومات نجحت في جهودها في التحرك تجاه الحياد الكربوني، مع أن الأمر مجرد ظاهرة طبيعية لأسابيع، وقد يحصل عكسها في المستقبل.
3- ماذا سيحصل وقت الأزمات؟ المتطرفون من أنصار البيئة يقولون بأن التغيّر المناخي يعني تغيرات كبيرة في الطقس ومتكررة بشكل لم يسبق له مثيل. لهذا فإن انخفاض مستويات هطول المطر في سنة من السنوات يعني انخفاض توليد الكهرباء من الطاقة الكهرمائية، ما هو البديل وقتها؟ الشيء الوحيد الذي يمكن التحكم به هو الوقود الأحفوري. وهذا ما يحصل على أرض الواقع: حتى السويد عادت إلى تشغيل محطة كهرباء تعمل بزيت الوقود المنتَج من النفط لتفادي العجز في إمدادات الكهرباء. وهذا ما رأيناه في تكساس منذ بضع سنوات عندما ارتفعت الحرارة بشكل غير عادي لمدة 70 يوماً متتالية، من دون هطول المطر. عندها لم تنفع طاقة الرياح، لأنه لو عصفت الرياح، لما ارتفعت درجات الحرارة بهذا الشكل. ماذا كان البديل؟ الفحم والغاز!
والأنكى من ذلك تلاعب بعض الدول بموضوع انبعاثاتها عن طريق استيراد الكهرباء، فبيانات النرويج تظهر أن الانبعاثات الضارة من قطاع الكهرباء ليست منخفضة فقط، ولكن تنخفض باستمرار. ولكنها لا تتضمن حقيقة استيراد النرويج للكهرباء من بولندا وقت الأزمات، وهي كهرباء منتَجة من الفحم. انبعاثات هذه الكهرباء سُجِلت على بولندا وليس على النرويج!
وهنا لا بد من تذكير القارئ بحقيقة نُشرت سابقاً وهي أن إرسال المصانع الأوروبية إلى الصين والدول الآسيوية واستيراد منتجاتها، ليس إلا تحويل للانبعثات من بلد إلى بلد! لهذا يمكن لبلد ما تحقيق الحياد الكربوني عن طريق استيراد الكهرباء من دول أخرى وإرسال مصانعها إلى دول أخرى!
الفكرة هنا هي أنه يمكن لبعض الدول الوصول إلى الحياد الكربوني يوم ما، ولكن هذا لا يعني “الاستمرارية” في الحياد الكربوني، كما أنه يعني أنه يمكن لدول ما أن تصل إلى الحياد الكهربائي عن طريق التخلص من محطات الكهرباء والمصانع…!
خلاصة القول إن تحديد وقت معيّن للوصول إلى الحياد الكربوني من قبل بعض الحكومات والشركات لا يعني شيئاً لأن هذه الحكومات والشركات لا تعرف كيف تصل له، ولا مَن سيدفع التكاليف. هذه الأمور، إضافة إلى حقيقة الحياد الكربوني، تجعله لعبة محاسبية. كما أن الوصول إلى الحياد الكربوني لا يعني بالضرورة الاستمرار بالحياد الكربوني. المهم ليس الوصول إلى القمة، ولكن أن تبقى في القمة!
نعم، الحياد الكربوني لعبة محاسبية… هل تعلم أن تحويل كل سيارات دول الاتحاد الأوروبي إلى سيارات كهربائية يخفّض انبعاثات الكربون في العالم بمقدار 2 في المئة فقط، حتى لو كانت الكهرباء تأتي من الطاقة السمشية (الطاقة المولدة من المشي) والرياح.