بقلم: فيصل عابدون – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تحقق مفاوضات السلام الأفغانية مكاسب لكل الأطراف المتصارعة والحليفة، كما أنها تعزز أجواء الاستقرار الإقليمي والدولي، لكن هذه المفاوضات لا تزال متعثرة وبعيدة عن الوصول إلى اتفاق شامل وملزم، على الرغم من الاختراقات الكبرى التي تحققت منذ إطلاق العملية وفي مقدمتها الاتفاق الأمريكي «الجريء» ببدء مفاوضات مع حركة طالبان المتمردة، وموافقة قادة الحركة على الجلوس إلى مائدة التفاوض.
وخلال الأيام الماضية تحدثت وكالة الأنباء البريطانية (رويترز) عن وثيقة للرئيس الأفغاني أشرف غني، مكونة من ثلاث مراحل للتوصل إلى اتفاق مع الحركة المتمردة في جولة المفاوضات المقترحة في تركيا خلال أسابيع قليلة.
وتُظهر الوثيقة أن مقترح غني الذي اعتبرته الرئاسة خارطة طريق للوصول للغاية النهائية، يشمل في المرحلة الأولى إجماعاً على تسوية سياسية، ووقف إطلاق نار بمراقبة دولية. وتشمل المرحلة الثانية إجراء انتخابات رئاسية، وتشكيل «حكومة سلام» وتطبيق الترتيبات اللازمة للمضي قدماً في تبني نظام سياسي جديد، بينما تتضمن المرحلة الثالثة بناء «إطار عمل دستوري وإعادة دمج اللاجئين وتحقيق التنمية» الأفغانية.
ولا تختلف هذه المراحل الثلاث كثيراً عن الاقتراحات الأمريكية التي ضمنها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في رسالة خاصة إلى الرئيس غني. وينصّ المقترح الأمريكي على تشكيل حكومة جامعة جديدة «تشارك فيها حركة طالبان يجري خلالها وضع دستور جديد للبلاد تتمّ على أساسه انتخابات حرة. واقترحت واشنطن في هذا الإطار اتفاق الطرفين على إحياء محادثات السلام، تزامناً مع اتفاقهما على «فترة تهدئة» مدتها 90 يوماً، بهدف تجنّب «هجوم الربيع» الذي تشنّه حركة طالبان سنوياً مع ذوبان الثلوج.
وذكرت المصادر أن بلينكن أبلغ الرئيس الأفغاني بأن جميع الخيارات لا تزال مطروحة على الطاولة، لكنه حذره بلهجة مباشرة تفتقر إلى اللياقة الدبلوماسية من أنه في حال سحبت الولايات المتحدة قواتها من هذا البلد، فإن «الوضع الأمني قد يتدهور»، وأن طالبان يمكن أن تحقق «مكاسب ميدانية سريعة».
إن قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من أفغانستان يبدو قراراً نهائياً لا رجعة فيه. وهو واحد من بين القرارات القليلة التي اتفق فيها الرئيس الحالي جو بايدن، مع الرئيس السابق دونالد ترامب، لكن هذا القرار يتسبب في موجات من القلق والهواجس ليس فقط لدى الحكومة الأفغانية التي تخشى من هشاشة وضعها الأمني، في مقابل القوة العسكرية لطالبان، ولكن أيضاً لدى الحلفاء في حلف شمال الأطلسي الذي يشكل وجود القوة العسكرية الأمريكية حافزاً مهماً لاستمرار دفاعها عن الحكومة المدنية في أفغانستان.
وتسريع المفاوضات الذي تدعو إليه الإدارة الأمريكية، يعني بالنسبة لها تسريع انسحاب قواتها من هناك. وهي قد لا تتسامح من هذه الزاوية، مع أية مناورات يمكن أن تقوم بها الأطراف الأفغانية لزيادة مكاسبها المتحققة، أو محاولاتها لتعطيل زخم العملية السلمية من أجل الحصول على ضمانات بعد انسحاب القوة الأمريكية العسكرية.