بقلم: أحمد الصياد – المصري اليوم
الشرق اليوم – لدبلوماسية الأزمات رنين خاص لا تُخطئه الأذن السياسية مهما علا صخب الصراع الدولي؛ إذ من شأنها البوح بما تموج به أجندات دفينة مشحونة بفنون المُكايدة، وسُبل المزايدات وقنص المصالح.
شيء من ذلك أفرزته أزمة السفينة «إيفر جيفن»، التي جنحت في قناة السويس مؤخراً وتمكن المصريون، بالخبرة والإرادة، من تحريرها في ملحمة وطنية تابعها العالم بشغف كبير.
فما بين تشكيك البعض في قدرة مصر على إنهاء الأزمة، ومساعي البعض في الترويج لبدائلهم عن قناة السويس، تأرجحت إسهامات بعض الدول في حل الأزمة التي جذبت انتباه العالم إلى حد يؤكد أهمية قناة السويس للعالم على غير ما يُمنى البعض نفسه! ولا شك أن أهمية قناة السويس تتعدى كونها الممر المائي لنحو 12% من التجارة العالمية، بما توفره من توفير للوقت والمال إذا ما تم استخدام طريق رأس الرجاء الصالح الذي يدور حول القارة السمراء؛ ولذلك تعد حماية حركة الملاحة التجارية في المنطقة من المهام الرئيسية للقيادة المركزية الأمريكية المسؤولة عن منطقة الشرق الأوسط، ومن هنا عرضت الولايات المتحدة مساعدة مصر في حل الأزمة، وكان الترحيب المصري بذلك واضحاً، لكن شاء الله عز وجل أن يشهد العالم نسخة جديدة من الإرادة المصرية الصلبة التي طالما حركت أعتى «السدود» من طريق الدولة المصرية.
وبينما روج «البعض» إلى أن الأزمة قد تستغرق عدة أسابيع!، وجد «البعض» الآخر في الأزمة فرصة لتحسين صورته أمام الشعب المصري عساه يسترد توازنه الإقليمي بسند من علاقات متينة مع مصر؛ إذ قال وزير النقل التركي «قرة إسماعيل أوغلو» لقناة إن.تي.في «لقد نقلنا عرضنا لمساعدة إخواننا المصريين، وإذا وصلنا رد إيجابي منهم، فإن سفينتنا نانه خاتون واحدة من بين السفن القليلة في العالم التي يمكنها القيام بأعمال من هذا النوع»، وأضاف سيادته أن أنقرة «لم تتلق ردا بعد لكنها على أهبة الاستعداد للتحرك».
أما روسيا فعرضت تقديم «أي مساعدة ممكنة» لمصر، بينما نشطت في الترويج إلى أن تعطل الملاحة في قناة السويس يُبرز أهمية «تطوير الممر البحري عبر القطب الشمالي الذي بات يمكن استخدامه في شكل متزايد بسبب التغير المناخي». ومعروف أن روسيا استثمرت بكثافة في تطوير الممر البحري الشمالي، زاعمة أنه يسمح للسفن بالوصول إلى الموانئ الآسيوية بمدة أقل بـ15 يوماً، مقارنة بالطريق التقليدي عبر قناة السويس! وكأن كبرى شركات العالم أخفقت في حساباتها إلى هذه الدرجة المدهشة.
إلا أن الخبراء يشككون بقدرة الممر الشمالي على منافسة ممر مثل قناة السويس، لجملة أسباب، وفي مقدمتها طبيعة المناخ في القطب الشمالي، حيث لا تستطيع السفن التحرك هناك إلا خلال فترة محدودة من السنة (3 – 4 أشهر فقط) وغير ذلك ستكون السفن التجارية بحاجة لمرافقة كاسحة جليد، ما يؤدي إلى طول الزمن خلال الرحلة. فضلا عن ذلك تتطلب رحلة تجارية كهذه توفر طاقم يتمتع بالخبرة المناسبة. وبالنسبة للإشارة إلى التباين في المسافات بين استخدام ممر البحر الشمالي وممر السويس، يشير الخبراء إلى أن المسألة هنا نسبية وتعود إلى وجهة وموقع الميناء الذي تنطلق منه السفينة. هذا علاوة على مسائل أخرى مثل التعقيدات البيروقراطية الروسية مقابل التسهيلات المصرية لعبور قناة السويس.
وبالطبع لا تغيب إسرائيل عن المشهد، فنراها، بعد فشلها في شق قناة بديلة لقناة السويس منذ عام 1963 بمساعدة الولايات المتحدة، والتي قيل إنها كانت ستستخدم لذلك نحو 520 قنبلة نووية!؛ إذا بها الآن تزيد من ترويجها لخط السكك الحديدية المزعوم الذي تعتبره بديلاً عن قناة السويس، محاولة في ذلك الاستعانة بما حققته من اتفاقيات تطبيع مع بعض الأشقاء العرب، الذين يدركون بلا شك أن وحدة المصير العربي لا تدع مجالاً للتشكيك في أن قوة مصر وازدهارها ليست إلا استثمارا حقيقيا في الأمن القومي العربي.
والواقع أن فهمنا للعلاقات الدولية لا ينبغي أن يغفل عن كونها تتأسس على المصالح، ولا شيء سواها، كما أن المصالح مُتحركة؛ ومن هنا فمحاولات تطوير قناة السويس ورفع كفاءتها لا ينبغي أن تغيب عن أجندتنا الوطنية، مع الأخذ في الاعتبار أن وضع البيض كله في سلة واحدة ليس من الفطنة في شيء.