بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم- التوتر المستجد في شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، ما هو إلا انعكاس للتدهور الجديد في العلاقات الأميركية – الروسية، وانعدام فرص الخوص في حوار بين واشنطن وموسكو، خصوصاً بعد سحب السفير الروسي من الولايات المتحدة أناتولي أنتونوف، عقب كلام صدر عن الرئيس جو بايدن وصف فيه الرئيس الروسي بأنه “قاتل”.
لم يعد خافياً أن العلاقات الأميركية – الروسية تمر بأسوأ أطوارها منذ وضعت الحرب الباردة أوزارها قبل 30 عاماً. والملفات الخلافية بين البيت الأبيض والكرملين متعددة، من وضع المعارض الروسي أليكسي نافالني وما يستتبعه من تنديد أميركي بسجل حقوق الإنسان في روسيا، إلى الاتهامات الأميركية لموسكو بشن هجمات سيبرانية العام الماضي ضد شركات أميركية، بينها من يقدم خدمات للبنتاغون ووكالات حساسة أخرى، إلى مزاعم بالتدخل في الانتخابات الرئاسية عامي 2016 و2020، إلى أوكرنيا وسوريا. ولم يكن تجديد معاهدة “نيو ستارت” للأسلحة النووية، سوى انقشاع وجيز، في سماء العلاقات الملبدة بالغيوم.
وبديهي أن يقود الاحتقان في العلاقات الأميركية – الروسية، إلى تصعيد التوترات في بؤر إقليمية في العالم. وبما أن أوكرانيا، هي من هذه البؤر في أوروبا، فإنها سرعان ما تحوّلت ساحة لتبادل الرسائل الساخنة بين موسكو والغرب.
في 26 آذار (مارس) الماضي، اندلعت اشتباكات على جبهة شرق أوكرانيا بين القوات الحكومية المدعومة من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والانفصاليين المدعومين من موسكو. وبالتوازي مع مناورات عسكرية روسية في شبه جزيرة القرم، التي ضمها الكرملين عام 2014، اتهمت كييف روسيا بالسعي إلى غزو أوكرانيا، وأعلنت عن مناورات مع حلف شمال الأطلسي في الأشهر المقبلة.
لكن روسيا رأت في هذا الإعلان تهديداً غير مباشر موجهاً لها، لا سيما في الفقرة الواردة في البيان الصادر عن الجيش الأوكراني والتي جاء فيها: “على وجه الخصوص، سيتم وضع الإجراءات الدفاعية، وسيتبعها تدريب على الهجوم، من أجل استعادة حدود الدولة وسلامة أراضيها التي تعرضت لعدوان إحدى دول الجوار المعادية”. وبعد بيان من حلف شمال الأطلسي يعرب عن القلق من الحشد الروسي في القرم، رد الكرملين بأن أي انتشار لقوات أطلسية سيؤدي إلى مزيد من التوتر، وسيجبر موسكو على اتخاذ تدابير إضافية لضمان أمنها القومي.
وهذا ما أدى إلى تكهنات بقرب انفجار شامل لجبهة شرق أوكرانيا بعدما سادها هدوء نسبي في الأعوام الأخيرة، وإن كان الحوار الروسي – الأوروبي لم يصل إلى تسوية سياسية دائمة للنزاع في المنطقة، بينما استمرت العقوبات الأميركية والأوروبية على موسكو بسبب ضمّها القرم ولدعمها انفصاليي شرق أوكرانيا، الذي تقطنه غالبية من السكان من أصول روسية.
وعلاوة على ذلك، تعتبر روسيا أن محاولات الغرب الدؤوبة لوضع اليد على أوكرانيا، هدفها الاقتراب أكثر من حدودها، الأمر الذي يشكل مساساً بأمنها القومي واستكمالاً للطوق الأطلسي، الذي بدأ عقب انهيار الاتحاد السوفياتي قبل 30 عاماً، وشروع الحلف في الزحف شرقاً عبر توسيع عضويته إلى دول في أوروبا الشرقية والوسطى كانت في يوم من الأيام تدور في الفلك السوفياتي.
ومن النروج شمالاً إلى جمهوريات البلطيق وبولندا، وأوكرانيا اليوم، يضع حلف الأطلسي في حساباته، احتمال نشوب مواجهة عسكرية مع روسيا في أي وقت. كما لا ينظر الحلف الغربي بارتياح إلى تزايد الأواصر العسكرية بين روسيا والصين.
وفي المقابل، ينظر الكرملين بعين الريبة إلى “الثورات الملوّنة”، التي اندلعت في عدد من الجمهوريات السوفياتية السابقة، ويضعها في سياق ممارسة ضغط أكبر على روسيا، الطامحة إلى استعادة مكانتها على الساحة الدولية.
ومع التدهور الحاصل في العلاقات بين روسيا ودول أوروبية وأميركا، ترتفع مخاطر نشوب مواجهة جديدة في أوروبا. ويعبّر وزير الخارجية الروسي عن هذا المأزق بقوله إن “المواجهة مع الغرب وصلت إلى القاع، ونأمل أن يدرك الجميع المخاطر المرتبطة بتصعيد التوتر”.
تحذير له مغزاه في وقت تبدو طبول الحرب وكأنها تقرع مجدداً على الجبهة الأوكرانية. فهل تتدارك القوى الكبرى الموقف قبل أن يرمي أحدهم عود ثقاب في حقل الكبريت؟