بقلم: ستانيسلاس دي ليفونيير، وفيكتور ألكسندر، ونيكولاس بيرو
الشرق اليوم- إن انتشار فيروس “كوفيد-19” بصورة أكبر بين المهاجرين تكفي لتفسيره الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية، وإن كانت عوامل مهمة، لكن هناك عوامل أخرى متعددة.
وأوضحت صحيفة لوباريزيان (Le Parisien) الفرنسية في تقرير أن دراسة نشرها المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية خلصت إلى أن نسبة الوفيات بين الأشخاص المولودين في الخارج كانت أعلى بمرتين من تلك التي حدثت بين المولودين في فرنسا.
ونبه التقرير على أن الوصول إلى ملفات الأشخاص المتوفين المفتوح للجمهور، يؤكد تواصل هذا المنحى طوال عام 2020، لافتا إلى أن هذه الملاحظة هي أوضح في منطقة العاصمة باريس التي تأثرت بشدة بالوباء والتي بها نسبة مرتفعة من السكان ذوي الأصول المهاجرة.
الموجة الأولى
في عام 2020 أدخلت أسماء نحو 700 ألف شخص في ملفات الأشخاص المتوفين في فرنسا، الذي نشره المعهد الوطني للإحصاء والمعلومات، وهو ما يزيد بمقدار أكثر من 53 ألف شخص على العام السابق، وفقا للأرقام الصادرة في فبراير 2021، أي بزيادة معدل الوفيات بنسبة 8.5%، غير أن نسبة الوفيات بين المولودين في فرنسا لا تتجاوز 7.7%، في حين تبلغ هذه النسبة بين المولودين في الخارج 14.9%، أي ما يقارب الضعف.
وتقول رئيسة وحدة الدراسات الديمغرافية والاجتماعية في المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية، سيلفي لو مينيز، إن “هذه الوفيات الزائدة لا ترتبط فقط بـ(كوفيد-19)، بل يمكن ربطها بأمراض أخرى غير معالجة، كما أن التأثير الوقائي للحجر الصحي أسهم في الحدّ من إصابات أخرى، كالحوادث، وأنقذ عددا من الأرواح في المقابل”، ومع ذلك، فإن “معدل وفيات الأشخاص المولودين في الخارج حقيقي ومرتفع بشكل خاص في منطقة إيل دو فرانس المحيطة بالعاصمة”.
وأشار التقرير إلى أن منطقة العاصمة التي يكثر فيها المهاجرون والتي هي منطقة مكتظة بالسكان تنتشر فيها المساكن الضيقة، قد تعرضت بشدة للموجة الأولى، مشيرا إلى أن التحقيق الوطني في وباء “كوفيد-19″، الذي نشر في أكتوبر 2020، أكد أن العيش في بلدية مكتظة بالسكان يعرض الشخص مرتين للعدوى بالوباء مقارنة بالمناطق التي لا يوجد فيها اكتظاظ.
وتقول سيلفي لو مينيز إن المولودين في الخارج يعيشون غالبا في مساكن أصغر ويعملون في وظائف تحتاج في كثير من الأحيان إلى الوجود المادي للشخص، ومن ثمّ لا يمكنهم العمل عن بعد، وقد وجدوا أنفسهم أكثر تعرضا للوباء أثناء الموجة الأولى من غيرهم، وربما أثناء موجات الوباء المختلفة وفترات الحجر الصحي.
ويقدم باتريك سيمون، وهو خبير ديمغرافي اجتماعي وكاتب دراسة مكرسة لارتفاع الوفيات التي لوحظت في منطقة سان دوني بضواحي باريس، طرقا أخرى للتفسير، تتعلق بالصحة، قائلا إن “الحالة الصحية للمهاجرين في العمر نفسه، تكون أسوأ بشكل عام من غيرهم، إذ يلاحظ أن مرض السكري الذي يزيد حالة الإصابة بـ(كوفيد-19) سوءا، أكثر شيوعا”، وذلك إضافة إلى ضعف التغطية الصحية والاجتماعية للأحياء الفقيرة.
وفي شهادة طويلة نُشرت على موقع المركز الوطني الفرنسي للبحوث والدراسات في مايو 2020، لاحظ الأطباء أن بعض الناس أقل ميلا إلى الذهاب للاستشارات الطبية بسرعة، فقد كان معدل وصول المرضى من أصل أفريقي إلى المستشفيات قليلا نسبيا، في حين وصل المرضى من أصل قوقازي بشكل أكبر في البداية، وكانت النتيجة وصول حالات متأخرة جدا يصعب علاجها، فمات الكثيرون لعدم وجود دعم كاف”، كما يقول باتريك سايمون.
ويضيف هذا الباحث أن “حاجز اللغة الكلي أو الجزئي له دور قبل الاستشارات وفي أثنائها”، ولذلك وضع أطباء مستشفى ابن سينا أثناء ذروة الموجة الأولى جانبا الترجمات الموضوعة عادة للتحدث مع مرضاهم، وتمكنوا من تحسين الحوار مع جميع مرضاهم، باستخدام مترجمين فوريين عبر الهاتف لتقديم تفسيرات للمرضى بلغاتهم المحلية كالبنغالية والبمبارية.
انعدام الأمن الوظيفي
وفي الربيع لم تتوقف فرنسا بأكملها ولم تتح الفرصة لجميع العمال بمواصلة نشاطهم عن بعد -كما يقول التقرير- ولذلك واصل الجزارون والسائقون والبناؤون وكثير من المهنيين المنتظمين في ما يسمى بالأنشطة “الأساسية”، عملهم كما في السابق، مستخدمين وسائل النقل العام رغم انتشار الفيروس، علما أن “نسبة المهاجرين في سين وسان دينيس بين العاملين والموظفين هي 57% و39% على التوالي، مقارنة بالمعدل الوطني 20% و 27%”، كما يقول المعهد الوطني للتنمية البشرية.
وفي بلدان أخرى، ذكرت بعض وسائل الإعلام أيضا أن العمال الفقراء، ويكونون من المهاجرين غالبا، وجدوا أنفسهم في الخطوط الأمامية للفيروس، ويرى الأطباء أن ذلك يرجع أساسا إلى التفاوتات الاجتماعية والصحية.
ترجمة: الجزيرة