الرئيسية / مقالات رأي / ما وراء المخاوف من لقاح «أسترازينيكا»

ما وراء المخاوف من لقاح «أسترازينيكا»

بقلم: نايف الروضان – صحيفة “الجريدة”


الشرق اليوم – خلال الشهر الماضي، شهدت حملة التلقيح في دول الاتحاد الأوروبي انتكاسة كبرى حين علّق 13 بلداً أوروبياً استعمال لقاح “أسترازينيكا-أكسفورد” المضاد لفيروس “كوفيد-19” لفترة قصيرة.
اتُّخِذ هذا القرار بعدما تعرّض عشرات الأشخاص لجلطات دموية خطيرة غداة تلقيهم اللقاح، ورغم غياب أي أدلة علمية تربط بين الجلطات واللقاح، قررت أكبر القوى الأوروبية تعليق عملية التلقيح في مرحلة حساسة ولم تُغيّر قرارها إلا بعدما أكدت وكالة الأدوية الأوروبية عدم وجود أي رابط بين العاملَين، لكن النقاد يتساءلون عن السبب الذي دفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ هذا القرار.
كانت الشكوك المرتبطة بسلامة اللقاحات جزءاً من أسباب معظم أحداث الأسبوع الماضي، فمن الأسهل إذاً أن نفهم ما يدفع الحكومات إلى تحديد أفضل الطرق للتعامل مع الشكوك السائدة بناءً على معطيات علم الأعصاب.
تزامناً مع تعليق حملات التلقيح، أصرّت وكالة الأدوية الأوروبية ومنظمة الصحة العالمية وعدد كبير من الهيئات الصحية الرائدة عالمياً على سلامة لقاح “أسترازينيكا”.
مع ذلك، فضّلت حكومات كثيرة تجاهل التوصيات العلمية، وهذه الظاهرة ليست جديدة، إذ سبق أن منع جزء كبير من تلك الحكومات استعمال ذلك اللقاح مع الراشدين الشباب، مع أن وكالة الأدوية الأوروبية أكدت سلامة اللقاح لجميع الناس بعد عمر الثامنة عشرة.
في بلدان مثل ألمانيا والدنمارك، دعت الهيئات العلمية إلى تعليق حملات التلقيح، بما يتماشى مع القرار النهائي الذي اتخذته الحكومات في تلك الدول، وفي أماكن أخرى، مثل إيطاليا، لم توافق الهيئة الصحية الرسمية على قرار التعليق، بل اعتبرت وكالة الأدوية هذا القرار مسيّساً بكل صراحة. سواء كان هذا القرار سياسياً أو لم يكن كذلك، من الواضح أن الحكومات حول العالم لا تطلق حملات التلقيح المحلية بناءً على الأدلة العلمية وحدها.
بين العوامل العاطفية والسياسية
بدءاً من غياب المساواة في تلقي اللقاحات وصولاً إلى الخلافات القائمة حول أنسب لقاح متاح وأفضل التوصيات العلمية المطروحة، بدت القرارات المرتبطة بحملة التلقيح عاطفية وسياسية بقدر ما كانت منطقية وعلمية.
من بين الحجج التي قدّمتها الدول الأوروبية لتعليق استعمال لقاح “أسترازينيكا”، قيل إن هذا القرار يهدف إلى زيادة الثقة باللقاح عبر كشف جميع المعلومات المرتبطة به. بعبارة أخرى، قررت الحكومات أخذ مجازفات مدروسة وتعليق حملة التلقيح الآن لضمان أن يتقبله الناس لاحقاً.
قبل اتخاذ هذا القرار، لم يكن التشكيك في اللقاحات جزءاً أساسياً من أزمة كورونا، فشكك البعض بمنافع استراتيجيات حكومية معينة للتعامل مع الفيروس، لكن أُعيقت جهود التلقيح عموماً بسبب نقص الإمدادات، لا الحملات الرافضة للقاح.
قبل انتشار الوباء، كان التردد في تلقي اللقاحات يطرح مشكلة جدّية حول العالم وقد ربطته منظمة الصحة العالمية في عام 2019 بزيادة حالات الحصبة عالمياً بنسبة 30%.
كذلك، تطرقت دراسة جديدة نشرتها مجلة “لانسيت” إلى الدور البارز الذي أدته مواقع التواصل الاجتماعي لنشر نظريات المؤامرة بشأن اللقاحات وسط ملايين الناس.
تكشف الأبحاث الحاصلة في مجال علم الأعصاب أن البشر يصبحون كائنات عاطفية عند قراءة الأخبار والمعلومات، مما يعني أننا نناقش ونتقاسم الأخبار التي تؤجج عواطفنا، ما يسمح لهذا النوع من المعلومات بالانتشار على نطاق واسع.
تعني هذه الناحية العاطفية أيضاً أن الشركات التي تدير مواقع التواصل الاجتماعي والحكومات لا تستطيع محاربة الحملات الرافضة للقاحات عبر طرح حجج مضادة وأدلة مثبتة بكل بساطة لأن الناس لا يتشاركون هذه النظريات على أساس الأدلة المتاحة.
إذا كان إصرار وكالة الأدوية الأوروبية على سلامة لقاح “أسترازينيكا” لن يقنع الناس، فما الذي يجعل تقريرها الجديد مقنعاً؟
كما يحصل في عالم الاقتصاد، يجب أن تتذكر الحكومات دوماً أن المواطنين لا يفكرون بطريقة منطقية محضة.
بناءً على معطيات علم الأعصاب والأفكار الفلسفية، يمكن اعتبار البشر كائنات عاطفية أنانية وغير أخلاقية، مما يعني أنهم يتصرفون بما يتماشى مع مصالحهم العاطفية الخاصة ولا يتخذون بالضرورة القرارات التي تفيدهم على المدى الطويل.
يجب أن تتعامل الحكومات بجدية مع عواطف البشر وأفكارهم وتفكر بحذر بما يمكن أن يحصل حين تختلف القرارات المرتبطة باللقاحات عن التوصيات التي تقدّمها الأوساط العلمية عموماً.
قد يؤدي قرار تعليق التلقيح أو انتقاد الحملات الحاصلة في دول أخرى إلى تداعيات غير مقصودة تتجاوز حدود البلد الواحد.
يمرّ العالم اليوم بوقت مخيف وعصيب، وتكشف الدراسات أن الضغط النفسي في الحالات الفردية يؤثر بقدرة الناس على توسيع آفاق تفكيرهم، ما يدفعهم إلى اتخاذ قرارات آنية.
يجب أن تتذكر الحكومات أن المواطنين ليسوا الجهة الوحيدة التي تجد صعوبة في رؤية المشهد العام، بل ينطبق ذلك عليها أيضاً.
وحده الوقت كفيل بإثبات صوابية قرار الدول الأوروبية، لكن يُفترض أن يفهم العالم إلى أي حد لا يزال وضع التلقيح العالمي هشاً في الوقت الراهن غداة مشاعر الهلع والخلافات التي أحدثها ذلك القرار.
ستؤثر القرارات المرتبطة بلقاح “أسترازينيكا” في أوروبا على جميع الدول التي تتلقى هذا اللقاح، لذا من الضروري أن تدرك الحكومات تداعيات قراراتها في هذا المجال وتتخذ خطوات حذرة.
في النهاية، أثبتت أزمة فيروس كورونا أن جميع الدول مترابطة ولا يمكن أن يزعم أحد عكس ذلك بعد الآن.

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …