بقلم: مصطفى القرة داغي – صحيفة إيلاف
الشرق اليوم- ماركوس زودرMarkus Söder البافاري ذو54 عاماً، الذي يشغل حالياً منصب رئيس حزب CSU البافاري المحسوب على يمين الوسط وحليف حزب المستشارة ميركل CDU المزمن، وهو رئيس وزراء مقاطعة بافاريا منذ 2018، بعد أن شغل فيها عدة مواقع سياسية، بدأها عام 2007 إلى 2008 بمنصب وزير الدولة البافاري للشؤون الفيدرالية والأوروبية، ومن 2008 إلى 2011 وزيراً للبيئة والصحة في بافاريا، ومن 2011 إلى 2018 وزيراً للمالية والتنمية الإقليمية في بافاريا، والذي كان حتى نهاية فبراير الماضي غير معروف أو مؤثر سوى على مستوى ولايته وضمن محيط حزبه الذي ينتمي اليه منذ عام1983، لكن نجمه بدأ بالسطوع مع بدايات أزمة كورونا، وبات ضيف البرامج التلفزيونية الأكثر طلباً، وأخذت صوره وتصريحاته تتصدر عناوين كبريات الصحف على مستوى ألمانيا كلها.
منذ بداية أزمة كورونا، وطوال فترة متابعتي لأخبارها حول العالم وفي ألمانيا تحديداً، ومن خلال مراقبتي لطريقة تعاطي الساسة الألمان معها، بدأت شخصية هذا الرجل وكاريزماه تثير إنتباهي وتحظى بإعجابي وإحترامي يوماً بعد آخر. إذ تراه واثق الخطوة يمشي مَلَكاً ويتحدث ثِقةً، يعرف ما يريد، ويختار كلماته بِدِقة وسرعة بديهة لافتة، ويصوغ عباراته بذكاء وحكمة وثقة، ليصل اليه بوضوح دون لف ودوران أو إنفعال. ويبدو أن هذا الأمر هو موهبة لديه منذ الصغر، كما أشار الى ذلك مازحاً في أحد لقائاته التلفزيونية، حيث قال عندما سُأِل عن طفولته: “أراد أبي أن أتعلم صنعة يدوية، لكنه سرعان ما إكتشف بأن لساني أكثر موهبة من يدي، وأن موهبتي الحقيقية هي في إستخدام لساني وليس بإستعمال يدي”.
من المعروف أن أغلب ساسة الحزب الإجتماعي المسيحي البافاريCSU لا رغبة لهم بالعمل في السياسة سوى في محيط مقاطعتهم، رغم أنهم حلفاء مُزمنين لأحد أكبر وأقوى الأحزاب الألمانية، الديمقراطي المسيحيCDU، لأنهم عادة غير مقبولين خارجها بسبب جِدّيتهم وإعتدادهم بأنفسهم ومدينتهم كما يظن باقي الألمان، نتيجة لآراء مسبقة ليست بالضرورة صحيحة، لكن يبدو أن زودر قد كسَر هذه القاعدة. لذا بدأت منذ فترة إشارات ودعوات لترشيحه لمنصب مستشار ألمانيا بعد السيدة ميركل، التي ستغادر السلطة هذا العام. الإشارات جائت من خلال إستطلاعات رأي تجريها مؤسسات إعلامية ومراكز بحثية في ألمانيا، تظهر إرتفاع شعبيته بشكل لم تعرفه ألمانيا منذ عقود مقارنة بمنافسيه من باقي الأحزاب حتى بين صفوف قواعدهم الشعبية. أما الدعوات فجائت إحداها صريحة من رئيس وزراء ولاية سارلاند توبياس هانز، الذي صرح قبل أشهر: “أنا أرى زودر كمستشار محتمل، لأنه رئيس وزراء ناجح يحكم ولايته بشكل جيد، أظهر كيفية وضع المعايير خلال الأزمة”، رغم أنه من حزبCDU الذي لايزال لديه مرشحه الرسمي، والسبب هو أن زودر قد أثبت خلال الفترة السابقة ولا يزال، جدارته وقدرته على تعويض وملأ الفراغ الذي ستتركه ميركل في فترة حرجة تعيشها وتمر بها ألمانيا وأوروبا، تحتاج الى إدارة حازمة وكاريزما قيادية تفرض نفسها، يمتلك زودر كلتاهما.
عادة ما يكون مرشح الإتحاد لمنصب المستشارية من الحزب الديمقراطي المسيحيCDU. لكن كان هنالك إستثناء لمرتين مع فرانز جوزيف شتراوس عام 1980، وإدموند شتويبر عام 2002، وهما من الحزب الإجتماعي المسيحيCSU، الذين تم ترشيحهم إلا أنهما خسرا الإنتخابات على مستوى الإتحاد. لكن يبدو الأمر مختلفاً هذه المَرّة، لأن دعم زودر مرتفع بين ناخبي الإتحاد بشكل خاص، الى جانب رغبة الكثير من هؤلاء الناخبين في أن تظل ميركل مستشارة لفترة أخرى، بعد نجاحها بإدارة أزمة كورونا، وهو ما ترفضه رفضاً قاطعاً. بالمقابل أوضح زودر في عدة مناسبات بأن ليس لديه حاليا أية طموح للترشح لمنصب المستشار، وأن كل ما يشغله حلاياً هو أزمة كورونا، كما أشار الى ذلك بمقابلة أجرتها معه وكالة الأنباء الألمانية في العام الماضي قائلاً: “إن السؤال عن الكيفية التي ستجري بها إنتخابات المستشارية في العام المقبل لا تهمني حالياً. لدينا الآن مستشارة قوية تقود ألمانيا بشكل جيد وتدعم بافاريا كثيراً، مكاني هو وسيبقى في بافاريا” وأضاف “أنا لا أقوم حالياً بقِراءة الاستطلاعات، فالقِيَم الوحيدة التي تهمني اليوم هي إصابات كورونا الجديدة يومياً”. لكن هذا كله لا يغير من حقيقة أنه بحسب إستطلاعات الرأي بات يتمتع بدعم غالبية قواعد إتحاد CSU-CDU وأعضاءه، حتى ضمن حزب الـCDU نفسه، والأكثر شعبيته بين الساسة الألمان عموماً، وبين مرشحي الإتحاد لمنصب المستشار تحديداً، كما بدا واضحاً بلا لبس من خلال الإستطلاع الذي أجرته قناةntv الإخبارية مؤخراً، والذي حصل فيه على90% في حين حصل لاشيت الى10%. كما بدا واضحاً ومنذ مدة بإنه بات يحضى بدعم المستشارة ميركل، وهو ما عَبّرت عنه بالزيارة التي خَصّته بها في أكتوبر الماضي بمَقر سلطته في بافاريا، وبالطريقة المميزة التي إستقبلها بها، إلا أنه بقي حذِراً بتصريحاته كي لا يبدو كأنه يتحين فرصة الإنقضاض على منصب المستشار الذي لطالما كان مِن حصةCDU ضمن إتحاد حزبيهما، وكي لا يبدو هذا الإتحاد العريق هشاً، خصوصاً هذه الأيام بعد تراجع شعبية الإتحاد بسبب نتائج إنتخابات ولايَتَي بادن فوتنبرغ وراينلاند بفالتس، بالإضافة الى فضيحة صفقة الكمامت التي تورط بها إثنان من ساسة الإتحاد. لكن يبقى السؤال الأهم هو هل يريد زودر التخلي عن منصبه المضمون في بافاريا كرئيس وزراء والمجازفة به لأجل منصب المستشار الغير مضمون نسبياً في برلين! فرغم شعبيته الطاغية التي وصلت لأرقام قياسية لم يسبقه إليها سياسي خلال تأريخ ألمانيا الحديث، إلا أن زودر نفسه يعرف بأن الكثير من المواطنين الألمان ربما لا يحبذون وجود مستشار من بافاريا.
في الأيام الأولى لأزمة كورونا، وبينما كانت الحكومة الألمانية مرتبكة وتعيش حالة تخبط، بَدَت المستشارة ميركل خلالها وكأنها مترددة أحياناً في اتخاذ القرارات المتعلقة باجرائات الحظر الخاصة بأزمة كورونا، بسبب طبيعة النظام الفيدرالي الذي قَيّد سلطتها على حُكّام الولايات، أمسَك زودر بدَفة إدارة الأزمة وإتّخَذ قرارات مصيرية ومواقف جريئة تخص ولايته، أثبتت حرصه على مواطنيها وكل المواطنين الألمان، تبعته بعدها ولايات أخرى وصولاً للحكومة الإتحادية. وأثبت بطلان الصورة النمطية بأن ألـCSU حزب منكفيء على نفسه يمَثّل سكان بافاريا فقط، من خلال تزعمه لجبهة الساسة الألمان الذين ضغطوا بإتجاه إقرار إجرائات الحظر منذ بداية الأزمة، ثم طالبوا بتمديدها على الرغم من تبعاتها على الإقتصاد، واضعاً حياة الناس كأولوية قصوى. على عكس بعض أقرانه من رؤساء وزراء الولايات الألمانية، الذين عارضوا ذلك في حينها، وطالبوا بسرعة إلغاءها، إما لقُصر نظر، أو حِرصاً على عجلة الإقتصاد، كآرمين لاشيت رئيس وزراء مقاطعة شمال الراين فيستفاليا، وهو من حزب المستشارة ميركل والمرشح لخلافتها، الذي عاد مؤخراً عن مواقفه التي تبنّاها في بداية الأزمة، وصَحّحها بمواقف أكثر وعياً وحرصاً على حياة الناس وسلامتهم منها على الأقتصاد، لأن المستشارة ميركل نفسها بدأت تدعم آراء وطروحات زودر، وتأخذ بمشورته بعد أن تبَيّنت صواب رؤيته، كما يبدو ذلك واضحاً في مؤتمراتها الصحفية التي تعقب إجتماعاتها برؤساء وزراء الولايات.
كان زودر أول من قام بإلغاء النشاطات العامة وإغلاق المدارس في ولايته حينما بدأت أعداد المصابين بفايروس كورونا ترتفع فيها، وطرح حينها خطاباً جذاباً مفاده: “يجب أن نضع قواعد واضحة، وإلا فلا أحد سيعرف كيف يتصرف، يمكننا السيطرة على الأزمة فقط إذا التزم الجميع بالقواعد”، فبدا وكأنه مدير لأزمة كورونا، وأعطى إنطباعاً للكثير من الألمان بأنه زعيم جريء وحكيم جدير بالثقة، يُعتمَد عليه بالأوقات الصعبة، لديه الإمكانات التي تؤهله لمنصب المستشار. وحينما لم يكن زودر أكثر مِن مرشح خارجي للمستشارية حتى مارس 2020، بات الآن المُرَشّح الأكثر حظاً والمُفضّل ليس فقط على مستوى قواعد الإتحاد، لا بل وحتى قواعد الأحزاب المنافسة كالديمقراطي الإجتماعي SPD والخضر، وهذه سابقة لم تعرفها السياسة الألمانية من قبل! لذا طُرِح هذا الأمر مِن قِبل الشارع والإعلام الألماني حتى قبل أن يُطرَح في الأروقة السياسية، لأن الكثيرين باتوا يتخيلونه كمرشح لمنصب مستشار إتحاد الحزبين، الإجتماعي المسيحيCSU، والديمقراطي المسيحيCDU، لكي يحافظ على دور ألمانيا وحجمها ضمن الإتحاد الأوروبي كزعيمة مُوَجِّهة وداعمة له ولأغلب دوله، وسَط وبمواجهة أقطاب عالمية لها ثقلها تسعى وتتصارع للسيطرة على سياسة وإقتصاد العالم وبضمنه أوروبا، كالولايات المتحدة والصين وروسيا، ووجود شخصية ضعيفه كمستشار لألمانيا سَيُضعِف دورها، وستنتقل الزعامة الى قيادات دول أوروبية أخرى، ربما لن تتمكن من القيام بهذا الدور كما يجب.
ختاماً، في الوقت الذي بات بعض المراقبين يَرَون في زودر مستشار الظل الذي سيخرج الى النور قريباً، لا يزال البعض الآخر يرى بأن حظوظه في الترشح لمنصب المستشار أمامها بعض الحواجز، أبرزها آراءه المتشددة بخصوص بعض الملفات المتعلقة بالأجانب، كقراره حضر إرتداء الحجاب في مدارس بافاريا، وإنتقاده لسياسة المستشارة ميركل بخصوص اللجوء خلال أزمة اللاجئين عام 2015، بالإضافة الى دعواته المستمرة لتشديد الرقابة على الحدود الخارجية لأوروبا للحد من تدفق اللاجئين الى بلدانها. لكن إهتمامه من ناحية أخرى بأمور مهمة، كقضايا حماية المناخ والطاقة المتجددة كأهداف رئيسية، بالإضافة الى دعواته لتحسين الخدمات الاجتماعية، قد تعادل كفته وتعزز فرصته في الوصول الى منصب المستشارية.