الرئيسية / مقالات رأي / أين ذهبت تحذيرات «الجمهوريين» من خطط التحفيز؟

أين ذهبت تحذيرات «الجمهوريين» من خطط التحفيز؟

بقلم: بول كروجمان – صحيفة “الاتحاد”


الشرق اليوم – «خطة الإنقاذ الأميركي»، التي تمثل جهد الرئيس جو بايدن، للإغاثة والبالغة قيمتها 1.9 تريليون دولار، باتت قانوناً الآن. ولكنها إجراء قصير المدى فقط، وهدفه الرئيس التعاطي مع وباء «كوفيد-19» وتأثيراته الفورية. أما الإجراء طويل المدى، والذي من المتوقع أن يشمل إنفاقاً ضخماً على البنية التحتية مع زيادات في الضرائب على الأغنياء، فما زال قيد الصياغة. والجميع يقول إن تحويل تلك الخطط طويلة المدى إلى قوانين سيكون أصعب من «خطة الإنقاذ الأميركي» بكثير. لكن ماذا لو كان الجميع على خطأ؟
فكل المحللين الذين أتابعهم تقريباً كانوا يؤكدون، حتى اللحظة الأخيرة أن 1.9 تريليون دولار هي مجرد محاولة افتتاحية لخطة الإنقاذ، وأن القيمة النهائية لمشروع القانون ستكون أصغر من ذلك بكثير. لكن بدلاً من ذلك، ظل «الديمقراطيون» –الذين يفترض دائماً أنهم في حالة «فوضى»، حسب الإعلام التقليدي- متحدين وأنجزوا كل ما وعدوا به تقريباً. فكيف تأتَّى ذلك؟
والواقع أن معظم التعليقات التي صدرت عقب اعتماد خطة التحفيز الاقتصادي تؤكد الدروس التي تعلَّمها الديمقراطيون من سنوات أوباما، عندما كان تليين المواقف في محاولة لكسب دعم كلا الحزبين لا يحقق سوى تعافٍ اقتصادي منقوص وأضعف مما هو مطلوب. لكني أعتقد أن هذا ليس سوى جزء من القصة. ذلك أن ثمة أيضاً تغيراً على الطرف الآخر: أقصد أن «الجمهوريين» فقدوا موهبتهم في شيطنة السياسات التقدمية.
لاحظ أنني قلت «سياسات». وهناك بكل تأكيد الكثير من الشيطنة؛ ذلك أن أعداداً كبيرة من الناخبين الجمهوريين تعتقد أن بايدن لم يصبح رئيساً إلا بفضل تزوير انتخابي غير مرئي، بل إن بعضهم يصدّق قصة أن ذلك التزوير خُطط له من قبل مؤامرة عالمية لمتحرشين بالأطفال! غير أن الحزب الجمهوري فشل على نحو لافت في إقناع الناخبين بأنهم سيتضررون من خطط بايدن الخاصة بالإنفاق والضرائب.
والواقع أن استطلاعات الرأي بشأن خطة الإنقاذ جد إيجابية لدرجة أنها تكاد تبدو سريالية بالنسبة لمن ما زالوا يتذكرون منا النقاشات التي كانت تدور في سنوات أوباما حول السياسات: ذلك أن نحو ثلاثة أرباع الناخبين، بمن فيهم أغلبية من الجمهوريين، يدعمون الخطة. وعلى سبيل المقارنة، فإن أغلبية طفيفة من الناخبين فقط دعموا خطة الرئيس باراك أوباما لتحفيز الاقتصاد عام 2009، رغم أن أوباما كان يتمتع بمعدلات شعبية مرتفعة جداً.
فلماذا هذا الاختلاف؟ الأكيد أن جزءاً من الجواب هو أنه في هذه المرة يبدي السياسيون والمعلِّقون الجمهوريون حماساً أقل لانتقاد سياسات بايدن. فأين ذهبت التحذيرات المخيفة بشأن انفلات التضخم وانخفاض قيمة العملة؟
صحيح أنه من حين لآخر يردد مشرّع جمهوري ما إحدى تلك العبارات التي باتت معروفة ومألوفة الآن، من قبيل «سياسات يسارية قاتلة للوظائف»، و«تدمير الوظائف»، و«الاشتراكية».. إلخ. غير أنه ليس هناك أي جهد منسَّق لإيصال رسالة واضحة. بل إن الانتقاد الحزبي للسياسات كان غائباً لدرجة أن قرابة ثلث قاعدة الحزب الجمهوري يعتقدون أن الحزب يؤيد الخطة، رغم أنها لم تتلق أي صوت جمهوري مؤيد في الكونجرس.
لكن لماذا ذلك السبات؟ قد يكون السبب أن الجمهوريين يدركون أن أي محاولة لإعادة إحياء انتقادات عهد أوباما ستعرّضهم للسخرية على خلفية سجلهم في المناكفة؛ فبعد أن كانوا يعتبرون العجز تهديداً وجودياً في عهد أوباما، سرعان ما غيّروا موقفهم وتراجعوا عن ذلك حالما تسلّم الرئيس ترامب السلطة. ولا شك في أنه من الصعب النجاح في تحول آخر بـ180 درجة.
وقد يكون السبب هو الفشل الكلي لتنبؤاتهم السابقة، سواء بشأن التضخم في عهد أوباما أو بشأن حدوث طفرة استثمارات كبيرة بفضل خفض ترامب للضرائب، رغم أن الحقائق المزعجة لم تزعجهم كثيراً في الماضي.
وعلى مستوى أعمق، قد يكون السبب أن الجمهوريين فقدوا بكل بساطةٍ القدرةَ على أخذ السياسات على محمل الجد. فالكاتب «جونتان كون» يرى أن أهم سبب لفشل ترامب في إلغاء «قانون الرعاية الرخيصة» الذي سنّه أوباما هو أن الجمهوريين نسوا إلى حد كبير كيفية الحكم. ولم يعودوا يعرفون كيف يفكرون بخصوص الاختيارات الصعبة، والقيام بالتوافقات الضرورية لبناء تحالفات، وتحقيق الأشياء.
وأعتقد أن فقدان الجدية نفسه أعاق قدرتهم على معارضة خطة بايدن للإغاثة بشكل فعّال. ذلك أنهم لم يستطيعوا القيام بالتفكير اللازم من أجل اختيار انتقادات معقولة. وهكذا، فبينما كان الديمقراطيون يدفعون بائتمان ضريبي يقلص فقر الأطفال بالنصف تقريباً ومعونات ستجعل التأمين الصحي أرخص، كان الجمهوريون مركزين على «ثقافة الإلغاء» والدكتور سوس! وعليه، فلماذا ينبغي أن نتوقع من الحزب الجمهوري أن يبلى بلاءً أحسن في معارضة مبادرات بايدن طويلة المدى في المستقبل؟
وعلينا أن نتذكر أن كلاً من الإنفاق على البنية التحتية وزيادة الضرائب على الأغنياء يحظيان بشعبية واسعة. والديمقراطيون يبدون متحدين، على الأقل بخصوص مبدأ خطة للاستثمارات والضرائب.
ولعرقلة هذا الجهد، سيتعين على الجمهوريين تقديم شيء ما غير التنديدات المألوفة بـ«الاشتراكيين قاتلي الوظائف». فهل سيفعلون؟ الأرجح أنهم لن يفعلوا شيئاً.
وباختصار شديد، فإن الآفاق بالنسبة لمشروع قانون كبير حول الإنفاق والضرائب تبدو جيدة، لأن الديمقراطيين يعرفون ما يريدون بلوغه ومستعدون للعمل من أجل تحقيقه، في حين أن الجمهوريين لا يعرفون وغير مستعدين.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …