بقلم: حيرالله حيرالله – النهار العربي
الشرق اليوم- من اليمن الى العراق، مروراً بسوريا ولبنان تفاوض إيران بالجملة والمفرّق فيما عينها على واشنطن وصفقة معها. تبقى عينها على صفقة مع “الشيطان الأكبر” رغم توقيعها اتفاقاً استراتيجياً مع الصين بقيمة 400 مليار دولار يربطها بقوّة استعمارية تعرف تماماً ماذا تريد وتعرف خصوصاً كيفية استغلال كلّ ثغرة من أجل خدمة مصالح خاصة بها أوّلاً وأخيراً.
تبدأ الصفقة التي تحلم بها “الجمهورية الإسلامية” مع “الشيطان الأكبر” برفع العقوبات التي فرضتها إدارة دونالد ترامب وتنتهي بها. كلّ ما تريده “الجمهورية” هو رفع العقوبات والعودة الى عالم العام 2015. وقتذاك أطلقت إدارة باراك أوباما يد إيران في المنطقة ووفّرت لها، بعد توقيع الاتفاق في شأن ملفّها النووي، كلّ الأموال اللازمة التي تسمح لها بتمويل مشروعها التوسّعي الذي في أساسه أمران. الميليشيات المذهبية المحلّية المزروعة في كلّ بلد من بلدان المنطقة، على نسق “حزب الله” في لبنان و”انصار الله” في اليمن و”ربعُ الله” في العراق وأسماء مختلفة لا يحصى عددها في سوريا… والاستثمار في إثارة الغرائز المذهبيّة.
بدأت تتبلور خطوط عريضة لاتفاق يستهدف وقف النار في اليمن وذلك في ضوء المفاوضات التي استضافتها مسقط وشارك فيها المبعوثان الأميركي والدولي تيموثي كيندرلينغ ومارتن غريفيث مع ممثلين للمملكة العربيّة السعودية والحوثيين برعاية عُمانية. انتقل بعد ذلك كيندرلينغ وغريفيث الى الرياض من أجل حفظ ماء الوجه للرئيس اليمني الانتقالي عبدربّه منصور هادي والإيحاء بأنّ هناك “شرعيّة” يمنية. في الواقع، صار الاتفاق موجوداً بخطوطه العريضة وهو مبني على المبادرة السعودية الهادفة الى وقف القتال في اليمن وفتح صفحة جديدة في العلاقات السعودية – اليمنيّة.
هل توافق إيران على الخطوط العريضة للاتفاق أم لا؟ مفتاح التسوية في اليمن لا يمكن، من وجهة نظر طهران، تشغيله الّا بموافقة إيرانيّة. بات في استطاعة إيران استخدام اليمن لقصف المملكة العربيّة السعوديّة. هل يمكن لإيران السماح باتفاق بين المملكة العربيّة السعودية والحوثيين؟ واضح أنّه توجد حسابات إيرانية لا هدف لها سوى التوصّل الى الصفقة مع “الشيطان الأكبر” بغض النظر عمّا يحلّ بالحوثيين (أنصار الله) او باليمن نفسه.
الحسابات الإيرانية نفسها، نجدها في لبنان. تمنع إيران تشكيل حكومة لبنانية. تريد صفقة مع أميركا وليس مع أحد غيرها. ما ينطبق على اليمن ولبنان ينطبق على سوريا حيث تسعى إيران الى إفهام الإدارة الأميركية أنّ في استطاعتها فرض انتخابات رئاسية تبقي بشّار الأسد رئيساً في حال لم تحصل على ما تريده… من أميركا.
يبقى العراق حيث تعمل إيران عبر ميليشياتها على تأكيد أن هذا البلد المهمّ بالنسبة الى مستقبل النظام الإيراني لا يمكن أن يفلت منها يوماً وأنّ لا أمل لحكومة مصطفى الكاظمي في إعادته الى بلد طبيعي، غير معادٍ لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة”، لكنّه على علاقات طيّبة مع محيطه العربي ومتصالح معه، خصوصاً مع دول الخليج العربي والأردن ومصر.
لا يمكن لإيران النجاح في الوصول الى صفقة مع “الشيطان الأكبر” حتّى لو عملت على ابتزاز أميركا من طريق الصين. لا يمكن الاستخفاف، بأيّ شكل، بأهمّية الاتفاق الاستراتيجي الصيني – الإيراني الذي في أساسه تعطّش الصين الى النفط والغاز الإيرانيين. لكنّ مثل هذا الاتفاق لا يكشف سوى إفلاس نظام ليس لديه ما يقدّمه الى محيطه والعالم سوى الميليشيات المذهبيّة من جهة والاستثمار في إثارة الغرائز المذهبيّة من جهة أخرى.
أكثر من ذلك، إنّه نظام مكشوف لا يعرف أنّ ليس في استطاعته أن يكون قوّة إقليمية كما يحلم بذلك. هناك حلمان مستحيلان إيرانياً أولهما الصفقة مع “الشيطان الأكبر” والآخر الاعتراف به كقوّة مهيمنة. ليس في استطاعته الهيمنة رغم الضعف العربي عموماً وغياب أي قوّة قادرة على الدخول في صدام مع “الجمهورية الإسلاميّة” على غرار ما فعل صدّام حسين في العام 1980 بطريقة صبّت في خدمة المشروع الذي كان يقف خلفه آية الله الخميني مؤسّس “الجمهورية الإسلاميّة”.
ستستخدم إيران كلّ أوراقها، بالجملة والمفرّقّ، من أجل الوصول الى صفقة مع الإدارة الأميركية الجديدة. يفوتها تغيّر العالم بين 2015 و 2021. ليس كافياً أن تكون الإدارة الجديدة برئاسة جو بايدن تريد الانقلاب على كلّ تركة إدارة دونالد ترامب وتصفية حساباتها مع هذه التركة ومع دونالد ترامب نفسه. هناك ما هو أهمّ من ذلك بكثير.
هناك عملياً موقف موحّد لدول المنطقة من إيران ومن مشروعها التوسّعي. هناك موضوعان لم يعد في الإمكان تجاهلهما، لا عربيّاً ولا أوروبياً ولا في الكونغرس الأميركي، حتّى لو أرادت الإدارة الأميركية الجديدة ذلك. الموضوعان هما الصواريخ الباليستية والمجنّحة والطائرات والمسيرّة… والسلوك الإيراني في المنطقة.
مبروك على إيران الاتفاق الاستراتيجي مع الصين، وهو اتفاق وقّعه نظام هارب من أزماته الداخلية من جهة ومن عجزه عن التوصل الى صفقة مع “الشيطان الأكبر” بشروطه من جهة أخرى. كلّ ما في الأمر أن الهروب الى أمام لا يمكن أن يكون سياسة قابلة للحياة لا في إيران ولا في غير إيران. هذا ما أثبتته كلّ التجارب في الدول التي حاولت لعب دور أكبر من حجمها وأكبر من إمكاناتها الاقتصاديّة. قد يكون الاتحاد السوفياتي، الطيّب الذكر، أفضل مثل على ذلك!