بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا تمضي في خطوط متداخلة وليست مستقيمة، تتراوح بين التقدم وفتح القنوات، وبين التراجع خطوات.
وما حدث في عهد بايدن أصاب العلاقة بجفوة، بعد بداية بدا وكأنها تهدئ الأمور بينهما، انعكست من أول مكالمة هاتفية لبايدن مع بوتين، باقتراحه تمديد معاهدة “سارت 3” للحد من التسلح النووي، وقرار بوتين في الحال بأن تصبح المعاهدة سارية المفعول. ثم انقلب الحال عندما وصف بايدن الرئيس الروسي ب”القاتل”، متهماً روسيا بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2020. الولايات المتحدة من ناحيتها تنظر إلى روسيا كمنافس استراتيجي على مستوى العالم، وأن سعيها إلى استعادة مواقع لها في مناطق كانت أمريكا تعتبرها ملعبها، يمكن أن يقلّص فرص الوجود والتأثير الإقليميين لها في هذه المناطق.
وفي المقابل ترى روسيا أن مواقف أمريكا تتمحور حول الرغبة في الهيمنة الكاملة على العالم، ووضع عراقيل أمام صعود الروح القومية في روسيا، بعد سنوات من السكون الاستراتيجي نتيجة تفكك الاتحاد السوفييتي، وانزعاجها من رفع بوتين شعار “روسيا ستصعد من جديد”، مثلما كانت قوة عظمى.
هذه المشاعر المشحونة في عمق العلاقة، لا تتيح فرصة لاكتمال أي دورة للتعاون. وإذا كانت الولايات المتحدة تتابع بقلق، خطوات روسيا لاستعادة تاريخها القديم، فإن الروس يشعرون بالتربص من جانب أمريكا، والذي لا يعتبر وليد اليوم؛ بل هو سلوك متواصل منذ بدأ حلف الأطلسي التقدم شرقاً في المحيط الاستراتيجي لروسيا بعد عام 2003.
في هذا الإطار كان ما أعلنه مساعدو بايدن في بداية ولايته عن نيته إجراء تغييرات في علاقاته مع روسيا والصين، ضمن مواقفه تجاه مختلف القضايا الدولية، حتى إن بعض المحللين قالوا إن أولوية بايدن لإصلاح العلاقات مع حلفائه الأوروبيين، تقوم على استخدامه للتهديد الروسي لدول التحالف، جسراً لتضييق الخلافات بين أمريكا وأوروبا. وإذا كان ذلك صحيحاً، فإنه يوسّع الهوة بين روسيا وأمريكا ويضع مزيداً من العراقيل أمام إصلاح العلاقات بينهما.
وتزامن مع ما طرحه المحللون، ما أعلنه البيت الأبيض من التشاور مع الحلفاء بشأن مجموعة من المخاوف الأمنية المشتركة، تجاه روسيا والصين وإيران وأفغانستان.
هذه التطورات في العلاقة دفعت عدداً من مراكز الفكر السياسي في الولايات المتحدة، إلى الدعوة لإيقاف التصعيد بين الجانبين، خشية وصول العلاقة بينهما إلى مرحلة الحرب الباردة، وما أشارت إليه هذه المراكز من وجود فرصة لخطوات سياسية، تركز على المصالح المتبادلة أولاً، والتي تحتاج فيها كل منهما إلى الأخرى، شاملة قضايا الحد من التسلح النووي الإيراني، وقضايا المناخ، والإرهاب، وإيجاد تسوية للوضع في سوريا، وعلى بايدن وبوتين الإقرار بأن التصعيد في الخصومة ليس في صالح أي من البلدين.
وعلى الرغم من التوتر الشديد الذي شاب علاقات البلدين، بعد هجوم بايدن على بوتين، فإنه لوحظ أن الدولتين تحاولان عدم دفع الموقف بينهما إلى حافة الهاوية.
فعقب استدعاء موسكو لسفيرها في واشنطن، أعلنت الخارجية الأمريكية أن سفيرها سيبقى في موسكو على أمل إبقاء القنوات مفتوحة بينهما، لتفادي أي مخاطر غير محسوبة بين البلدين.
كذلك أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية في بيان لها “أننا مهتمون بمنع أي تدهور غير محسوب في العلاقات الأمريكية الروسية، إذا ما كان الأمريكيون يدركون مخاطر حدوث ذلك، حتى إن السفير روبرت وود، المختص في نزع السلاح، ظل متفائلاً تجاه تجاوز التوتر الشديد الحالي، بقوله، إنه يرى أن اتفاق بايدن وبوتين على تمديد معاهدة “ستارت” سيكون خطوة تعقبها خطوات لإذابة الجليد بين الدولتين، والخروج من دائرة التوترات والاتهامات المتبادلة.
إن الوضع بصفة عامة يرتبط كلية بالتنافس الاستراتيجي بينهما، فلكل منهما رؤيتها وأهدافها لتأكيد مكانتها في العالم، وهي رؤى تتناقض من جانب كل منهما تجاه الأخرى. ولهذا ليس مستبعداً أن تظل علاقاتهما تتراوح ما بين الصعود في ميزان التوتر، والتهدئة في أحيان أخرى، تفرضها عليهما احتياج كل منهما للأخرى في قضايا عديدة.
خلاصة القول، إن الدولتين منقسمتان بشدة بسبب رؤيتيهما المتناقضتين للنظام العالمي، ولمصالحهما في مناطق العالم، وكل ما يأمله الراغبون في تفادي حرب باردة جديدة، أو صراع غير محسوب النتائج، هو بذل جهود لمنع حدوث التصعيد إلى حد اشتعال صدام عسكري.