بقلم: سالم سالمين النعيمي – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- تواجه الولايات المتحدة الأميركية خيارات صعبة في ظل تنامي قوة الصين كمارد وعملاق للاقتصادات العابرة للقارات وثقلها الجيوسياسي بجانب روسيا والذي يغلفه إرث كبير من تسخير قوى الدولة ككل والتقدم العلمي والمعرفي نحو هدف مشترك لا يحيد عن طموح الأباطرة السابقين بجانب الطموحات المشروعة لباقي اللاعبين المؤثرين في الساحة الدولية، وأما من الجانب الإيراني، فالثابت لدى إيران أن سياستها الخارجية مزيج من الدبلوماسية التاريخية الحضارية الثقافية وسياسة تصدير الأزمات للتدخل من خلالها في الشؤون الداخلية للآخرين، وبالتالي التفاوض على الهوامش والضغط من خلال أهمية موقعها الجغرافي، وما يلعبه من دور مهم في التنافس على رسم خريطة الهيمنة في العالم دون أن ننسى البعد الاقتصادي، والذي تمثل الطاقة فيه صمام أمان لدول كالصين وروسيا والهند التي تسعى للتغلغل في مشاريع البنية التحتية لمصادر الطاقة الإيرانية وتطويق الاتحاد الأوربي وجعل الثروات الإيرانية مخزونا استراتيجيا خارج حددوها السياسية، ولكن ضمن خارطة مجالها الحيوي وهو ما ترفضه الدول الأوروبية الكبرى، ولذلك تغض الطرف عن معظم التجاوزات الإيرانية.
كما تعد استراتيجية زعزعة الاستقرار في مسار تقاطع المصالح بين الحين والآخر، نهجاً ناجحاً لشراء المزيد من الوقت لتحويل دفة التهديد أو الضغوط أو تأجيج النزاعات غير المسلحة أو التي تتبنى قرصنة معاصرة قوامها التكنولوجيا المتقدمة للغاية والهجمات من خلال وكلائها في الإقليم بأقل كلفة بغرض فرض الضغوطات أو إيجاد ثغرات لدى الخصوم أو تعميقها إنْ وجدت، أو الشروع في تحويل مشاريع التنظيم السياسي لمشروع حركي بصبغة نظامية رسمية أو تسليط الأضواء أو تحويلها عن القضايا الرئيسة باتجاه القضايا الثانوية، أو عكس ذلك تماماً لتشتيت الانتباه، أو تقويض قوى المنافسين الاستراتيجيين ليتقوقعوا في مواقف دفاعية استنزافية.
وحتى الآن، فشلت محاولات واشنطن لإثارة التغيير السياسي في طهران، متناسية أن التغيير لا يخضع فقط للضغوط الشعبية فحسب، بل يتطلب أيضاً انقسامات داخل النخب في الفصيل الحاكم، ومن جانبها، تشكل رئاسة بايدن فرصة وتحدياً لقيادة طهران. حيث قد يساعد في إحياء الاتفاق النووي على عكس اتجاه التدهور الاقتصادي في إيران، لكنه سيجعل أيضاً من الصعب على طهران الاستمرار في إلقاء اللوم على الولايات المتحدة في إدارة ملفاتها الداخلية وستبرز التناقضات الصارخة في المجتمع الإيراني الطبقي وعلاقة الشعب الشاب بالحكومة المسنة.
ومن جهة أخرى، كانت العقوبات أداة فعالة، ويجب على إدارة بايدن ألا تتسرع في تخفيفها، وإنْ فعلت ذلك، فهناك بدائل مغرية تتوفر للجانب الإيراني وستخفف من وطأة العقوبات وتجعلها أقل تأثيراً، وكذلك لا تستطيع الولايات المتحدة أن تهزم الاستراتيجية الإقليمية الإيرانية في المنطقة، فالنظام الإيراني خبير في الخداع والتضليل الاستراتيجي من خلال تعديل حسابات القوة، وبوسع الإيرانيين أن يبعثروا أوراق الولايات المتحدة على جبهات متعددة وذلك لمنع الإدارة الأمريكية من أن ترسم خطوطاً حمراء في تعاملها مع إيران، دون الرجوع لإيران.
من المتوقع أن تستمر إيران في اختبار إدارة بايدن، حتى تفشل في الاختبار أو ترتكب هفوات ويتم توريطها في قضايا متشعبة ومفاوضات مطولة دون جدوى تذكر في ظل تصريحات المسؤولين الروس الدائمة عن أولوية علاقتها مع إيران وبعد أن وقعت إيران والصين اتفاقاً استراتيجيا ضخماً مدته 25 عاماً؛ ستستثمر فيه الصين قرابة 400 مليار دولار في إيران مقابل النفط، وتعزيز العلاقات العسكرية في الاتفاقية التي أطلق عليها اسم الشراكة الاستراتيجية الشاملة لتغطي مجموعة متنوعة من النشاط الاقتصادي وقطاع البترول والتعدين وتعزيز النشاط الصناعي في إيران وكذلك التعاون في مجال النقل والزراعة. وستلعب إيران بضغط من الصين وروسيا دوراً مهماً في سوريا والعراق واليمن، لتحقيق التوازن مقابل النفوذ التركي والعكس صحيح. وستقود روسيا محادثات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، مما يعزز هبوط وتراجع مؤشرات النفوذ الأميركي في المنطقة.