الشرق اليوم- خلال أسابيع فقط تحولت لهجة أنقرة من التصعيد في قضايا عدة، إلى التهدئة، والميل نحو المصالحة، وفتح صفحة جديدة مع دول المنطقة والاتحاد الأوروبي.
نسائم التهدئة التي تهب من أنقرة لم تكن وليدة الصدفة، بل نتيجة تغيرات خارجية واستحقاقات داخلية وفق ما يؤكده محللون، لعّل أبرزها تغير الإدارة الأمريكية، ومجيء بايدن الذي لا تُبشر تصريحاته ومواقفه حيال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعلاقات دافئة بين واشنطن وأنقرة، لا سيما أنه حتى الآن لم يتصل بنظيره التركي، واقتصر التواصل بين البلدين على مستوى المتحدث بالرئاسة التركية ومستشار الأمن القومي، ولقاء بين وزيري خارجية البلدين على هامش قمة الناتو.
ويؤكد الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، في تصريح للعربية.نت أنّ اللهجة التصالحية التي اتخذتها أنقرة مع بداية العام الجديد طرحت تساؤلات عديدة عن أسباب الاستدارة التركية حيال ملفات المنطقة، ولعل أبرزها الظروف والأوضاع الجديدة في المنطقة، ومن دون شك وصول إدارة أمريكية جديدة دفعت أنقرة لمراجعة سياستها الخارجية وحتى الداخلية استعداداً لهذه الإدارة التي يبدو أنها ستأخذ مساراً مختلفا أقل سلاسة مما شهدته العلاقات الثنائية في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، حيث تميزت بشكل عام بالتقارب والتفاهم”.
أنقرة – القاهرة ودول الخليج العربي
على شكل لافت شكلت تصريحات المسؤولين الأتراك تجاه مصر ودول الخليج العربي لا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بداية تحول جديد في سياسة أنقرة تجاه تلك الدول.
تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقبله وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو والمتحدث باسم الرئاسة ابراهيم كالن ووزير الدفاع خلوصي أكار، كلها كانت تصب في بوتقة واحدة، فتح صفحة جديدة مع مصر والسعودية والإمارات، وإن كانت وتيرة الاتصالات مع مصر بدأت بسرعة أكبر نتيجة مصالح الدولتين في إبرام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية شرق المتوسط، حيث يؤكد المسؤولون الأتراك أن إشارات القاهرة الإيجابية واحترامها الجرف القاري التركي، أعطت في المقابل انطباعاً إيجابياً لدى أنقرة.
ويرى بيرجان توتار الكاتب المختص بالقضايا الدولية أن الرؤية الجديدة للسياسة الخارجية التركية ستذهب باتجاه إلغاء التوترات في المنطقة، هذا مناسب لتركيا وأيضاً لدول المنطقة خاصة المملكة العربية السعودية ودورها المؤثر من الناحية الاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية، فهي من الدول الرائدة في المنطقة”.
وأضاف توتار في تصريح للعربية.نت: “أيضاً الدور المصري مهم بالنسبة لتركيا من الناحية الاقتصادية والسياسية والثقافية والجيوسياسية، هذا التقارب بشكل عام بين دول المنطقة سيؤثر بشكل إيجابي في الأزمة السورية واليمنية والليبية”.
ويُرجع توتار أسباب تغير السياسة الخارجية التركية إلى 3 عوامل “الاقتصادية بسبب التغيرات العالمية الاقتصادية، أيضاً استلام جو بايدن للرئاسة في الولايات المتحدة، وأيضاً من أجل الانتخابات الرئاسية التركية التي ستعقد في عام 2023”.
وبعد إعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في 12 مارس الجاري استئناف الاتصالات الدبلوماسية بين أنقرة والقاهرة، طلبت تركيا من القنوات المصرية المعارضة التي تبث من إسطنبول والتي يتبع معظمها لجماعة الإخوان المسلمين، وقف خطابها العدائي تجاه الحكومة المصرية.
الاتحاد الأوروبي وإسرائيل
أعلنت بروكسل أن رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي تشارلز ميشيل ورئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين سيزوران تركيا في 6 أبريل للقاء الرئيس رجب طيب أردوغان وفق ما أعلنه المتحدث باسم رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، باريند ليتس الاثنين.
وتأتي الزيارة في وقت تشهد فيه العلاقات الأوروبية التركية تحسناً ملحوظاً تمثل بابتعاد شبح العقوبات الأوروبية على تركيا، على خلفية تخفيف أنقرة نشاطاتها شرق المتوسط التي أثارت الكثير من التوتر بين الجانبين.
وقالت تركيا إنها ستواصل العمل مع الاتحاد الأوروبي على أجندة إيجابية حددتها بروكسل تشمل تجديد صفقة المهاجرين، ورفع مستوى الاتحاد الجمركي وتحرير التأشيرات بعد أن كشف الاتحاد عن تقرير شامل عن العلاقات مع تركيا يشير إلى فتح طريق لتحسين التعاون في المجالات المذكورة ولكن أيضًا فرض عقوبات إذا غيرت أنقرة سلوكها في النزاع المتوسطي.
على صعيد متصل أبلغت تركيا إسرائيل أنها مستعدة لإرسال سفير إلى تل أبيب بمجرد أن تلتزم الحكومة الإسرائيلية بالرد بالمثل على الإجراء في وقت واحد، حسبما قال مسؤول تركي كبير لـ Israel Hayom. الاثنين، وأضاف المسؤول: أن نقطة الخلاف الرئيسية بين الحليفين السابقين تظل وجود مسؤولين كبار من حماس على الأراضي التركية.
بعد سنوات من العلاقات المثيرة للجدل، غيرت تركيا مؤخراً سياستها الخارجية تجاه المنطقة بشكل عام وإسرائيل بشكل خاص، وقال الرئيس رجب طيب أردوغان في 25 ديسمبر 2020 إن أنقرة ترغب في إقامة علاقات أفضل مع إسرائيل.
استحقاقات الداخل
لم يكن العامل الخارجي سبباً وحيداً لتبدلِ لهجةِ أنقرة، فالتحدياتُ الداخليةُ أمامَ الحزبِ الحاكمِ والرئيس رجب طيب أردوغان لا تقلُ أهميةً، لا سيما الانتخاباتُ القادمة، والاقتصادُ المتراجع، ومعدلُ التضخمِ المرتفع.
في هذا الصدد يؤكد مصطفى كمال إردمول مدير الأخبار الخارجية في صحيفة جمهورييت في حديثه للعربية.نت، أن حزب العدالة والتنمية الحاكم يريد حل المشاكل الخارجية قبل الدخول في استحقاقاته الداخلية لا سيما إذا أجرى انتخابات مبكرة، لذلك يريد بداية حل المشاكل الخارجية، حيث يحاول تحسين العلاقة مع مصر، ليس مصر فقط بل مع المملكة العربية السعودية.
ويتطابق رأي إردمول مع رأي طه عودة أوغلو الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية حيث قوبلت خطوة أردوغان بحسب عودة أوغلو بارتياح كبير على المستوى الداخلي، وهذا ما يريده الرئيس أردوغان حالياً لتبريد الساحة الداخلية، وإعادة الثقة للمواطنين وخصوصاً للشريحة المحافظة في البلاد لإستعادة الأصوات التي فقدها في الانتخابات البرلمانية الماضية.
المصدر: العربية