بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم– إلى حد كبير، بدأ الوضع الأفغاني يضغط على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. فالوقت المحدد في الاتفاق الذي أبرمه سلفه دونالد ترامب مع حركة “طالبان” ينص بوضوح على وجوب انسحاب كامل للقوات الأميركية من هذا البلد بحلول الأول من أيار (مايو)، في مقابل انخراط الحركة في مفاوضات مع حكومة كابول برئاسة أشرف غاني للتوصل إلى اتفاق على تقاسم السلطة، وعلى خفض العنف.
هذا ما نص عليه الاتفاق المبرم في شباط (فبراير) من العام الماضي، في وقت كان ترامب يستعجل الانسحاب في خضم حملة الانتخابات الرئاسية. لكن المجريات الميدانية لم تكن مواتية على ما يبدو لالتزام بنود الاتفاق. فالمفاوضات بين “طالبان” وكابول تراوح مكانها، وهي تتنقل بين الدوحة وموسكو وقريباً في اسطنبول، من دون أن تسفر عن نتائج ملموسة. ويتّهم كل طرف الطرف الآخر بعدم وجود إرادة سياسية لديه للمضي في الحل السياسي. وفي الوقت نفسه لم تتوقف الهجمات، سواء في كابول أم في مدن رئيسية أخرى، واستعرت منذ أواخر العام الماضي وحتى اليوم، موجة اغتيال ناشطين في المجتمع المدني، إضافة إلى أطباء وطبيبات وصحافيين وصحافيات ومحامين ومحاميات وقضاة وقاضيات وشخصيات أمنية بارزة وتفجير دور تعليم ومستشفيات. وتوجه السلطات أصابع الاتهام إلى “طالبان”، وتعتبر ذلك انتهاكاً للاتفاق المبرم بين واشنطن والحركة، بينما تنفي الأخيرة مسؤوليتها عن هذه الهجمات.
وأبدت واشنطن، بدورها، انزعاجها من هذه الهجمات، لكن لا يمكنها الجزم بمسؤولية “طالبان” عنها، في وقت ينشط تنظيم “داعش” في أفغانستان، فضلاً عن وجود نشاط لحركات جهادية أخرى أقل حجماً مثل “شبكة حقاني” التي تصنفها أميركا على لائحة الإرهاب.
وبرغم الاستياء الأميركي، فإن المسؤولين الأميركيين كانوا يضغطون على حكومة غاني كي تقدم تنازلات من أجل إبرام تسوية مع “طالبان” حول تقاسم السلطة. وقد أبدى الرئيس الأفغاني أخيراً احتجاجه على لغة التهديد المبطن التي استخدمها وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، في رسالة وجهها الشهر الماضي إلى الحكومة الأفغانية.
وتكمن مشكلة أميركا الآن، في أن الاتفاق بين كابول و”طالبان” هو السبيل الوحيد لضمان انسحاب أميركي آمن من أفغانستان. وما لم يتم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، فإن الولايات المتحدة غير قادرة على الانسحاب، وتالياً قد يحمل ذلك “طالبان” على معاودة هجماتها على القوات الأميركية.
وحتى الآن، لم يقدم الرئيس جو بايدن جواباً حاسماً إزاء وفاء واشنطن بالتزام الأول من أيار (مايو)، في ظل غياب الاتفاق الأفغاني الداخلي، لكنه قال قبل أيام في المؤتمر الصحافي الأول له منذ تسلمه منصبه في 20 كانون الثاني (يناير) الماضي، إنه “لا يتصور” وجوداً عسكرياً أميركياً في أفغانستان العام المقبل.
وجاء تقرير لوكالات الاستخبارات الأميركية السبت الماضي، ليزيد من حراجة الموقف. التقرير، نص صراحة على أنه إذا ما انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان، من دون اتفاق بين كابول و”طالبان”، فإن الحركة قد تسيطر على كامل أفغانستان في غضون عامين أو ثلاثة على أبعد تقرير. كما يحذر من أن نشوء مثل هذا الوضع، سيفتح المجال مجدداً أمام عودة تنظيم “القاعدة” إلى الأراضي الأفغانية، على غرار ما كان عليه الوضع قبل الغزو الأميركي عام 2001. وفي هذه الحال، ستجد أميركا نفسها مضطرة للعودة بعد سنوات إلى أفغانستان، لتتكرر تجربة الانسحاب من العراق عام 2011 ومن ثم العودة إليه في 2014، بعد ظهور “داعش”.
أمام هذا الواقع، يجد بايدن نفسه تحت ضغط موعد الأول من أيار (مايو) من جهة، وتحت وطأة تهديد “طالبان” بمعاودة الهجمات ضد الجنود الأميركيين، في حال عدم الانسحاب في الوقت المحدد. وكل الجهود المبذولة الآن تتركز على إقناع الحركة بإرجاء “هجوم الربيع” السنوي، الذي اعتادت الحركة شنه مع بدء فصل ذوبان الثلوج.
هذا المناخ المتوتر، يدفع إدارة بايدن إلى البحث الحثيث عن مخرج لأطول الحروب الأميركية في الخارج، خصوصاً أنه لن يكون في استطاعة الولايات المتحدة البقاء إلى ما لا نهاية في أفغانستان، وفي الوقت نفسه لا يسعها الخروج من دون اتفاق أفغاني – أفغاني.