بقلم: فيصل عابدون – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- قضى اتفاق «إعلان المبادئ» بين رئيس المجلس السيادي السوداني، وزعيم الحركة الشعبية قطاع الشمال، بمبادلة حق تقرير المصير لولاية جنوب كردفان بالتوافق على حيادية الدولة إزاء الأديان؛ وهي القضية التي عرقلت جهود التوصل إلى اتفاق للسلام مع قائد الحركة الشعبية.
الإعلان يعد إنجازاً تاريخياً في جهود وقف الحرب، وتكمن أهميته خصوصاً في أنه يضيف رصيداً لا يستهان به لمسيرة الاستقرار؛ نسبة لما تمثله نطاق نفوذ الحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو في ولاية جنوب كردفان بمساحاتها الشاسعة، ومواردها الغنية، وبكونها أيضاً الولاية التي تضم منطقة أبيي وحقول النفط السودانية، بينما تتمدد حدودها البرية الى أربع ولايات جنوبية إضافة إلى ولاية جنوب دارفور.
لقد ترصدت جماعة النظام المعزول لإعلان مماثل وقعه رئيس الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك وزعيم الحركة عبد العزيز الحلو، ونجحت في إثارة غبار الكراهية الدينية؛ باستغلال بند العلمانية الذي ورد في إعلان العام الماضي؛ الأمر الذي أدى إلى عرقلة التقدم باتجاه التفاوض المباشر بين الحكومة والحركة، وأصاب مفاوضات السلام بالجمود.
لكن الإعلان الجديد تفادى أي ثغرة يمكن أن تستغلها الجماعة؛ للاستقطاب؛ وعرقلة التقدم باتجاه السلام الشامل. وبينما غابت كلمة العلمانية في ثنايا الوثيقة، فقد تحدثت بنودها عن إقامة «دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية في السودان؛ تكفل حرية الدين؛ وحرية المعتقد؛ والممارسات الدينية والعبادة لجميع السودانيين، عبر الفصل بين الدين والهوية الإقليمية والثقافية والعرقية»؛ والتعبير هنا هو حياد الدولة في الشؤون الدينية.
وفي المقابل، اتفق البرهان والحلو على توطيد سيادة السودان، واستقلاله وسلامة أراضيه. ويمكن ملاحظة تنازل الحلو هنا عن شرط تقرير المصير الذي كان يتمسك به في السابق. كما تضمن الإعلان الإقرار بأن السودان بلد متعدد الأعراق والديانات والثقافات، ومن الضروري الاعتراف بهذا التنوع وإدارته، ومعالجة مسألة الهوية الوطنية. كما أكد حق شعب السودان في المناطق المختلفة في إدارة شؤونهم؛ من خلال الحكم اللامركزي أو الفيدرالي.
ومن البنود المهمة التي تضمنتها الوثيقة، الاتفاق على وجود جيش قومي مهني واحد للسودان، يعمل وفق عقيدة عسكرية موحدة جديدة، يلتزم بحماية الأمن الوطني وفقاً للدستور، على أن تعكس المؤسسات الأمنية التنوع والتعدد السوداني، وأن يكون ولاؤها للوطن، وليس لحزب أو جماعة. وأشار إلى وجوب أن تكون عملية دمج وتوحيد القوات عملية متدرجة، ويجب أن تكتمل بنهاية الفترة الانتقالية. ويمكن ملاحظة أن هذا البند يختلف أيضاً عن الشرط السابق لقائد الحركة الشعبية الذي كان يتمسك بالمحافظة على وجود قواته حتى بعد نهاية الفترة الانتقالية.
ويقول فريق الوساطة الجنوب سوداني: إن البرهان والحلو اتفقا على عودة فريقي المفاوضات إلى الطاولة في غضون ثلاثة أسابيع؛ لإنجاز اتفاق السلام الذي طال انتظاره. ومما لا شك فيه أن الوقت لا يزال مبكراً لنقول إن السودان قد طوى ملف الحرب بشكل نهائي، إلا أنه بات بالإمكان القول: إن السلام بات أقرب منالاً؛ بعد إعلان المبادئ الذي تم توقيعه منتصف الأسبوع الحالي.