الشرق اليوم- مع وصول أي رئيس جديد إلى الرئاسة الأمريكية، تبدأ القوى الكبرى باختباره لتحديد أسس الصفقات المستقبلية في الصراعات المحتملة. قد تأخذ الولايات المتحدة المبادرة أحياناً، وهذا ما حصل حين اتّهمت واشنطن، عن طريق وزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن، بكين بانتهاك حقوق الإنسان في “شينجيانغ” وهونغ كونغ وبارتكاب مجموعة من الجرائم الإلكترونية، فردّت بكين على ذلك الموقف عبر اعتبار الولايات المتحدة من أبرز منتهكي حقوق الإنسان، وأضافت: أن واشنطن لا تتكلم باسم العالم ويجب ألا تدّعي ذلك، وهذه المواقف لا توحي ببداية واعدة بل بمواجهة مرتقبة.
على صعيد آخر، سُئِل الرئيس جو بايدن في إحدى المقابلات: هل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قاتل؟ فأجاب بالإيجاب، ومن غير المألوف أن يصرّح أي مسؤول بموقف مماثل عن رئيس دولة كبرى، حتى لو كان كلامه صحيحاً، فقد كان بايدن يملك ما يكفي من الوقت للتراجع عن موقفه، لكنه لم يفعل، وفي المقابل، شعر الروس بالاستياء واستدعوا السفير الأميركي، وقال بوتين ما معناه “وحده القاتل يستطيع التعرف على القتلة”!
يبدو أن الرئيس الأمريكي أراد بهذا الموقف أن يستبق الأمور في تعامله مع الصين وروسيا، ومن الواضح أن بايدن وأعضاء فريقه يريدون إبلاغ البلدين، وحتى الرأي العام الأمريكي ولو بطريقة غير مباشرة، بأنه لن يكون رئيساً ضعيفاً، أما ردود روسيا والصين، فكانت تستهدف الولايات المتحدة طبعاً وحلفاء واشنطن الذين يشككون بقوتها.
لكن قد يكون بايدن مخطئاً في مقاربته، وقد لا تكون روسيا والصين ضعيفتَين بقدر ما يظن، فقد لا يسمح لهما وضعهما بتحدي الولايات المتحدة أو محاولة إطلاق تحركات عسكرية، لكن المواقف الكلامية تختلف عن استعداد أي بلد لتحمّل أعباء التحرك. تتعلق المسألة الحقيقية بنوع الخطوات التي سيتخذها الروس والصينيون، ويقضي حل منطقي بإنشاء تحالف ثنائي، لكن أي نوع من التحالف سيكون فاعلاً؟ وما حجم تأثيره؟
لن يكون التحالف الاقتصادي فاعلاً، فقد يعطي هذا التحالف طابعاً رسمياً للعلاقات القائمة بين البلدين وقد يزيد العمليات التجارية بينهما، لكنه لن يحمي أياً منهما من ضغوط الأطراف الثالثة.
على صعيد آخر، يطرح أي تحالف عسكري إشكالية مماثلة، فلا تستطيع روسيا ولا الصين دعم حاجات الطرف الآخر على المستوى الاستراتيجي، ويحمل أبرز تهديد تواجهه الصين طابعاً بحرياً، ومن المعروف أن القدرات الروسية البحرية محدودة، ويمكن احتواء روسيا عن طريق التحالف الذي يهدد الصين، إذ تبدو التهديدات التي تواجهها روسيا برية في المقام الأول، ولا تستطيع الصين أن ترسل قواتها العسكرية إلى المناطق التي تهمّ روسيا، ولا تحتاج موسكو أصلاً إلى قوات ميدانية إضافية، كما يستطيع الطرفان تبادل المساعدة في مجالات أخرى، مثل المعدات العسكرية أو الحروب الإلكترونية، لكن لا يمكن اعتبار هذا النوع من التبادلات تحالفاً حقيقياً.
هل يستطيع أي تحالف روسي صيني إطلاق هجوم بحري شرقاً وهجوم بري غرباً في الوقت نفسه؟ قد يكون هذا الخيار ممكناً. يمكن اعتبار هذا التحرك صادماً من الناحية السياسية، لكنه لن يُضعِف أي جبهة لأنه يستعمل قوات بحرية غير ضرورية غرباً وقوات برية غير ضرورية شرقاً، حتى أن هذا التحرك قابل للفشل، لكنه قد يطلق خيارات (نووية) وجودية إذا نجح، أو ينشئ تحالفات متينة ضد روسيا والصين.
لاتخاذ مقاربة منطقية لا تحمل مجازفات كبرى، يجب أن تتوصل الصين إلى تسوية سياسية واقتصادية مع الولايات المتحدة وتقوم روسيا بالمثل مع أوروبا على الأقل، ولكن لتحقيق هذا الهدف، على كل طرف أن يقتنع بأن واشنطن لا تهتم بعقد تسوية، ويكون إثبات اللامبالاة أساساً للتفاوض على أي صفقة محتملة. منطقياً، تدرك الولايات المتحدة أن التفاوض بات قريباً، لذا تتخذ موقفاً عدائياً منه، وقد أدرك الصينيون الرهان الذي يقوم به الأميركيون وسيحذو الروس حذوهم قريباً. إنه زمن الإهانات والتهديدات إذاً، لكنّ هذه المرحلة تسبق إطلاق حملة من الجهود الجدّية والمعرّضة للفشل بغض النظر عن التطورات الراهنة.
ترجمة: صحيفة الجريدة