بقلم: حسام ميرو – صحيفة الخليج
الشرق اليوم– كان مفاجئاً إلى حد كبير أن يتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، نظيره الروسي، بأنه «قاتل»، فهذا الاتهام يخرج عن السياق السياسي والدبلوماسي المعتاد بين واشنطن وموسكو، فالعرف السائد بين البلدين هو تبادل اتهامات سياسية غير شخصية، والانتقال من العام إلى حال التخصيص هو تصعيد كبير بكل المقاييس؛ إذ إنه يقلص مساحة المناورة والتفاوض بين البلدين، ويدفع بشكل أو بآخر نحو ما يشبه حرباً باردة جديدة، يبدو أن النظام الدولي، بمعطياته الراهنة، غير قادر على تجنبها.
تصريحات بايدن، تؤكد أن الانزعاج الأمريكي من سياسات موسكو قد وصل إلى مستوى غير مسبوق، وأن روسيا، من وجهة نظر الأمن القومي الأمريكي، عادت لتكون قوة مؤثرة في عدد من الساحات المهمة عالمياً، ولئن كانت واشنطن قد صنّفت الصين، خلال العقد الماضي، على رأس قائمة التهديدات الخارجية، إلا أن تصريحات بايدن، تشير إلى إعادة جدولة لقائمة التهديدات، ووضع روسيا جنباً إلى جنب مع الصين، وإعطاء مواجهتها التركيز الكافي، من خلال سياسات عملية مباشرة، وهو ما برز بشكل جلي من خلال العمل السريع لإدارة بايدن على استعادة العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين.
المساندة الأوروبية لبايدن، جاءت سريعة، خصوصاً من خلال التصريحات الألمانية، أو زيادة العقوبات الأوروبية ضد موسكو، وهذا التنسيق الأمريكي الأوروبي ضد روسيا لا يشكل مصلحة أمريكية فحسب؛ بل يبدو أيضاً ضرورة أوروبية، للحد من المخاطر الروسية المتنامية في أوروبا، وفي مقدمتها مخاطر الأمن الإلكتروني، والتي أصبحت تشكل تهديداً جدياً لعدد من الحكومات والشركات الأوروبية الكبرى، وتضر بالمصالح الاقتصادية، وهو ما كشفت عنه خلال السنوات الماضية الكثير من التقارير الرسمية، كما أن تلك التهديدات امتدت لتشمل الانتخابات البرلمانية، فمؤخراً صرّح وزير الخارجية الألمانية حول مخاوف بلاده من تدخلات روسية في الانتخابات البرلمانية المقبلة في خريف العام الجاري، قائلاً إن «حملات التأثير والتضليل الإعلامي من قبل الجانب الروسي يجب أن تتوقف، وإن لم تتوقف فسندافع عن أنفسنا تجاهها».
بالنسبة لواشنطن وحلفائها الأوروبيين، فإن المخاوف الرئيسية الكبرى المتعلقة بتقاسم الإنتاج والأسواق في العالم لا تأتي من جانب روسيا، فما زالت روسيا غير قادرة من النواحي العلمية والتقنية أن تشكل منافساً محتملاً، فهي لا تزال تعتمد على صادرات النفط والغاز بشكل كبير في إجمالي الناتج القومي؛ حيث تشكل هذه الصادرات نحو 70% من الصادرات الروسية، و52% من عائدات الميزانية الفيدرالية، ولم تتمكن روسيا من عكس الريع المالي للطاقة في مجالات الصناعات عالية التقنية، وما عدا قطاع الصناعات العسكرية، فإن روسيا لم تستطع إحداث تحولات جدية لاقتصادها ليواكب اقتصادات الدول الغربية.
خلال السنوات الماضية، سعت موسكو للعودة إلى الساحة العالمية من خلال استثمار نقاط الضعف لدى خصومها الأمريكيين والأوروبيين، فتدخلت عسكرياً في أوكرانيا وسوريا وليبيا، في الوقت الذي أظهرت فيه واشنطن تردداً أو انكفاء أو عدم رغبة في انخراط واسع، وهو ما شجّع موسكو على التدخل، والاستفادة من الحسابات الأمريكية الخاطئة، والتحول إلى لاعب أساسي في ملفات حيوية، قد لا تكون قادرة من خلالها على جني مكاسب مباشرة، لكنها قادرة على أن تكون عاملاً معطلاً للمصالح الغربية، ما يزيد من قدرتها التفاوضية، وجني مكاسب استراتيجية عبر أدوارها العسكرية أو الوظيفية.
بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا، متّنت موسكو علاقاتها مع طهران وأنقرة، عبر مظلة «الضامن الثلاثي» في الملف السوري، كما أصبحت قادرة على التنسيق المباشر مع إسرائيل، وبناء نقاط توافق عدة، خصوصاً في المجال الأمني، كما سعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى توثيق العلاقات بشكل أكبر مع الصين، والتنسيق معها في قضايا عدة، ويمكن اعتبار الفيتو الروسي الصيني المزدوج في مجلس الأمن على قرارات عدة ضد الحكومة السورية مجرد تفصيل في لوحة أكبر، تشمل مجالات تنسيق مختلفة بين موسكو وبكين. طموحات روسيا في لعب دور قيادي في زمن العولمة قد تبدو غير منطقية من وجهة النظر الكلية للعولمة، فمثل هذه الطموحات لا تتوافق مع طبيعة الاقتصاد الروسي نفسه؛ إذ لا يمكن لنظام اقتصادي يعتمد على مداخيل الريع من الطاقة أن ينافس بشكل جدي، لكن السياسات الروسية تقوم على تحويل قوة التعطيل إلى جزء أساسي من إدارة النظام العولمي، من بوابات غير اقتصادية، مثل التدخلات العسكرية، أو الحرب السيبرانية، أو بناء تحالفات مع أنظمة سياسية تخشى من آثار العولمة على وجودها.