By: George Magnus – Project Syndicate
الشرق اليوم- كان اجتماع المجلس التشريعي الصيني (مجلس الشعب الصيني) هذا العام واحدا من أكثر اجتماعاته أهمية في الآونة الأخيرة. تواجه الصين حاليا البيئة الخارجية الأكثر عدائية منذ عقود من الزمن، مع تزايد عدد الدول التي تقاوم قمعها السياسي ودبلوماسيتها القهرية. كما أصبحت حتمية إعادة تشكيل نموذج التنمية الاقتصادية أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. وفي حين يتجنب قادة الصين الآن أي ذِكـر لما يسمى فخ الدخل المتوسط، فإن تصميمهم على تجنب التهديد الذي يلوح في الأفق بات واضحا.
في التصدي للتحديات المقبلة، تعتمد الصين على خطتها الخمسية الرابعة عشرة، التي حصلت على الموافقة في الاجتماع الأخير. من المفترض أن تعمل الخطة على ضمان سير الصين على الطريق الصحيح نحو تحقيق هدفها المهيب الأبعد أمدا، والمتمثل في التحول إلى “دولة اشتراكية حديثة” ــ بتحقيق مستوى نصيب الفرد في الدخل يعادل نظيره في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ــ بحلول عام 2035 (والذي جرى التأكيد عليه أيضا في الاجتماع).
ربما تستحضر عبارة “الخطة الخمسية” أفكارا حول أهداف الإنتاج وحصص الفحم أو الصلب أو الحبوب. لكن الصين لم تُـصـدِر مثل هذه الوثيقة منذ أكثر من عشرين عاما. تتألف الخطة الخمسية الرابعة عشرة، التي تأتي في أكثر من 140 صفحة، من مجموعة عريضة من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والبيئية، التي تسعى إلى تشكيل سلوك الحكومات المحلية، والشركات، والمؤسسات، والمواطنين.
من المؤكد أن هذا يشمل أهداف إنتاج الحبوب. بيد أن هذا ليس سوى جزء واحد من استراتيجية أكثر شمولا تعكس التأكيد المتزايد على الـصِـلة بين الاقتصاد والأمن الوطني.
من منظور الرئيس الصيني شي جين بينج، يتطلب الأمن الوطني ليس فقط مؤسسة عسكرية حديثة (والتي تخطط الصين لبنائها على مدار العقد المقبل) وبناء “الاستقرار الاجتماعي” الداخلي (الذي كان يشكل أهمية مركزية في قيادة شي)، بل يستلزم أيضا العمل في مجالات مثل الغذاء والموارد الطبيعية، والتجارة، وسلاسل التوريد، والتكنولوجيا.
لهذا السبب تتضمن الخطة الخمسية الجديدة أهدافا ملزمة، ليس فقط للإنفاق العسكري، بل وأيضا لإنتاج الحبوب، والاستثمار في مشاريع البحث والتطوير، ونمو القطاع الرقمي. علاوة على ذلك، تحدد الخطة أهدافا طموحة للقيادة الصينية في القطاعات المتطورة، مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمية، وأشباه الموصلات، وعلم الأعصاب وعلم الوراثة، واستكشاف الفضاء، والبحار، والقطبين.
أما عن البيئة، فتتضمن الخطة أهدافا ملزمة لخفض الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون وكثافة الطاقة المستهلكة لكل وحدة من المخرجات. ولكن هنا، تفتقر الخطة رغم ذلك إلى الطموح، مما يلقي بظلال من الشك على قدرة الصين على الوفاء بتعهدها المعلن سابقا بالوصول إلى ذروة الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي بحلول عام 2030 وتحقيق صافي الانبعاثات صِـفر بحلول عام 2060.
ما لا تتضمنه الخطة الخمسية، لأول مرة على الإطلاق، هو هدف نمو الناتج المحلي الإجمالي المجمع لهذه الفترة. بدلا من ذلك، تعهدت الحكومة بالإبقاء على النمو السنوي “ضمن نطاق معقول وفقا لمقتضيات الحال” ــ وهو ما يعني، وفقا لرئيس الوزراء لي كه تشيانج، “أعلى من 6%” لعام 2021 ــ مع السعي إلى تلبية أهداف غير ملزمة ضمن مجموعة من المتغيرات الاقتصادية الأخرى.
ستركز الصين على تنفيذ “استراتيجية التداول المزدوج”، والتي بموجبها ستقلل من اعتمادها على الطلب الخارجي، لصالح زيادة الاعتماد على الذات. ورغم أن الحكومة ستواصل التأكيد على الصادرات، فإنه تعتزم أيضا زيادة إحلال الواردات وتقديم ضمانات لسلاسل التوريد، وخاصة حيثما كانت الشركات الأميركية مشاركة بشكل وثيق. الأمر الأكثر أهمية أن الصين تخطط لتعزيز الاستهلاك المحلي للسلع التي تنتجها. وتكمن مخاوف تتعلق بالأمن الوطني بلا شك في صميم هذه الاستراتيجية.
كما وضعت الحكومة الصينية خطط إصلاح في مجالات أخرى بالغة الأهمية، وإن كانت تفتقر إلى المصداقية غالبا. على سبيل المثال، تريد السلطات تحفيز حركة إحياء الريف والتصدي لمشكلة التفاوت. لكنها فشلت في الالتزام ببعض التدخلات الحاسمة، مثل إعادة توزيع الدخل والثروة، والإصلاح الضريبي، والإصلاح الشامل لنظام الرفاهة الاجتماعية المفتت وغير الملائم على الإطلاق، والذي يعرقل حركة العمالة. علاوة على ذلك، لا تضم الخطة بنودا بشأن فتح الصناعات الخدمية.
يتمثل أحد العوامل الكامنة وراء التفاوت بين الناس، والذي تخطط الحكومة الصينية لعلاجه، في نظام تسجيل الأسر (هوكو). من خلال ربط الناس بـمدنهم أو بلداتهم الأصلية، كثيرا ما منع هذا النظام العمال المهاجرين من الوصول إلى التعليم، والرعاية الصحية، وغير ذلك من الخدمات الاجتماعية. تهدف الخطة الخمسية الجديدة إلى إزالة أو تخفيف القيود المفروضة على المدن الصغيرة والمتوسطة الحجم، وتقديم نظام النقاط في المدن الكبرى.
لكن، في الماضي، كانت التكاليف الباهظة والمقاومة العاتية تعوق غالبا إصلاح نظام تسجيل الأسر، مع حلول قيود جديدة محل تلك التي أزيلت. ويتبقى لنا أن نرى ما إذا كان ذات الشيء سيحدث هذه المرة.
تريد الحكومة الصينية أيضا تشجيع “معدل مواليد مناسب” لمعالجة العبء الاقتصادي الذي يلوح في الأفق بسبب شيخوخة السكان. وهناك مقترحات لرفع سن التقاعد القانوني “على مراحل”. كل من هذين الإصلاحين واجب منذ أمد بعيد. لكن خط التنفيذ تفتقر إلى التفصيل.
في النهاية، ستعطي حكومة الصين الأولوية لاستراتيجية العلوم والتكنولوجيا التي تخصص لها 1.4 تريليون دولار، والتي تهدف إلى تحقيق الاعتماد على الذات في التكنولوجيات المتقدمة. وتُـعَـد أشباه الموصلات، التي تشكل جوهر هذه التكنولوجيات، شديدة الأهمية لتحقيق هذه الغاية.
هنا، لا تبدأ الصين من موقف قوي. فهي حاليا قادرة على تلبية 16% فقط من متطلبات الرقائق الإلكترونية العادية من خلال الإنتاج المحلي، وتتجاوز قيمة وارداتها من أشباه الموصلات قيمة وارداتها من النفط الخام. وفي ظل حملة الضغط الاقتصادي التي تقودها الولايات المتحدة ضد الصين ــ بما في ذلك العقوبات، وضوابط التصدير، وفحص الاستثمار ــ فإن هذا يُـعَـد سببا للقلق المتزايد.
تكمن مشكلة الصين في أنها على الرغم من كونها الصانع القائد على مستوى العالم، فإنها تعاني من نقاط ضعف كامنة في مجالات أساسية، مثل القطع الأساسية، والمواد، والتكنولوجيات المتقدمة. وكما أشار وزير الصناعة وتكنولوجيا المعلومات السابق مياو وي في وقت سابق من هذا الشهر، فإن نقاط الضعف هذه تعني أن البلاد لا تزال على بُـعـد ثلاثين عاما على الأقل من اكتساب صفة اقتصاد صناعي “عظيم القوة”.
من الواضح أن تحقيق التقدم نحو الاعتماد على الذات في مجال أشباه الموصلات سيشكل اختبارا مهما لقدرة الصين على تحقيق أهدافها الأعرض. وسوف يتوقف نجاحها بشكل كبير على مدى إدراك قادتها لحدود الاستبداد، والتوجيهات من القمة إلى القاعدة، والضوابط الاجتماعية. الواقع أن هذه الأساليب، التي تشكل عنصرا أساسيا في أسلوب حكم شي، عملت بكفاءة في ما يتصل باحتواء أزمة كوفيد-19. ولكن في وقت حيث أصبحت الاقتصادات الرقمية والمعلوماتية على قدر متزايد من الأهمية، فإن بلدا على المستوى الذي بلغته الصين من التنمية ليس أمامه سوى طريق واحد إلى الأمام: الشفافية، والانفتاح، والمرونة المؤسسية.