الشرق اليوم – حين انضم جو بايدن، إلى مجلس الشيوخ، كان يعلم أنه مضطر للتعاون مع أعضاء المجلس المنتمين إلى مختلف الأحزاب وعقد الصفقات لتمرير التشريعات التي يؤيدها، لكن هذا المبدأ لا يتماشى مع الظروف الراهنة، أو تَقِلّ الأدلة التي تثبت ذلك على الأقل. بالكاد يحاول أي طرف اعتماد هذه المقاربة لأن المخاطر المطروحة تفوق المنافع السياسية على ما يبدو.
لقد استخف الكثيرون بحجم الإنجاز الذي حققه بايدن حين دفع باتجاه إقرار حزمة كورونا، فلم يتحقق ما توقّعه بايدن في 2019 حين قال إن عدداً كبيراً من أصدقائه الجمهوريين سيكتسب رؤية جديدة بعد رحيل دونالد ترامب من البيت الأبيض، لكن لا أهمية لذلك لأن المعسكر الجمهوري يشهد حالة من الفوضى العارمة، إذ لم يقتنع الجمهوريون بوجهة نظر الديمقراطيين فجأةً، بل إنهم صوّتوا جميعاً ضد حزمة كورونا في الكونغرس، ومع ذلك عجز الحزب الجمهوري عن حشد معارضة قوية أو تبنّي موقف صارم ضد القرار، كما أن تمرير هذا القانون بدا مخيّباً للآمال بدرجة معينة رغم المبلغ الهائل المخصص له.
لا يعني ذلك أن بايدن كان مخادعاً عندما تكلم عن التعاون بين الحزبَين الجمهوري والديمقراطي، فهو يتابع التواصل مع الجمهوريين، حتى أنه بات معتاداً على التكلم مع السيناتورة الجمهورية، سوزان كولينز، عبر الهاتف، وقد يؤدي إقرار القوانين بناءً على تصويت الأغلبية في الحزب إلى تصعيب الوضع في المراحل اللاحقة وقد لا يحصل ذلك، لكنّ بايدن لن يسمح لهذا الاحتمال بمنعه من التحرك في مطلق الأحوال.
في هذا السياق، كتب الصحافي فرانكلين فوير في أكتوبر الماضي أن بايدن أمضى حياته كلها وهو يحاول الفوز بالرئاسة، لكنّ هامش استفادته من هذا المنصب اليوم يبدو محدوداً، ويوضح فوير: «هو يعرف أنه يملك فرصة عابرة لمعالجة أزمة القرن وأن الوقت لن يسمح له بتحقيق أحلامه بإحداث تحوّل شامل».
هذا الوضع يفسّر السبب الذي جعل بايدن يغيّر توجهاته سريعاً ويتبنى مقاربة ديمقراطية شاملة حين أدرك أن الجمهوريين سيطالبون بمسائل تفوق الخطوات التي يريد الرئيس اتخاذها.
هل سيعاقب الناخبون بايدن لأنه تخلى عن مبدأ التعاون بين الحزبَين الجمهوري والديمقراطي؟ هذا ما يتمناه الجمهوريون على الأقل، في مقابلة نشرتها صحيفة «واشنطن بوست» في الشهر الماضي، لام السيناتور روب بورتمان، من ولاية أوهايو الرئيس بايدن لأنه لم ينفذ الوعود التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، وأوصى بورتمان البيت الأبيض بتبني اقتراحه الخاص لمعالجة أزمة كورونا، علماً أن ميزانيته تقتصر على ثلث الخطة التي طرحها بايدن وبلغت قيمتها 1.9 تريليون دولار، لكن المشكلة تكمن في الوقت الراهن في الشعبية الهائلة التي يحصدها قانون الإغاثة، ويبدو الناخبون أكثر ميلاً إلى مكافأة الرئيس لأنه أقرّ قانوناً يؤيدونه بدل معاقبته على مقاربة لا يحبذونها، كما أن الناخبين لا يميلون إلى تحليل مختلف المسائل بقدر ما يفعل السياسيون.
أخيراً، يتطلب التعاون بين الحزبَين الجمهوري والديمقراطي أن يبدي الطرفان استعدادهما لتبنّي هذه المقاربة، لكن لا يبدو الجمهوريون جدّيين في رغبتهم في التواصل مع الطرف الآخر، فحين كان بايدن يقدّم التنازلات في مجلس الشيوخ، أراد بذلك أن يحقق أهدافه، وإذا استطاع تحقيق أهدافه بطرق أخرى، فلن يتردد في اعتمادها أيضاً، إذ تُعتبر حزمة كورونا أفضل دليل على المسار الذي سيتخذه بايدن خلال بقية عهده الرئاسي، وتحديداً حتى موعد انتخابات التجديد النصفي في 2022، وتعكس هذه التجربة أيضاً الدروس الحقيقية التي تعلّمها الرئيس حين كان سيناتوراً في مجلس الشيوخ منذ سنوات.
باختصار، يصعب أن يتعلم مسؤول مخضرم حِيَلاً جديدة، لكن قد يجيد هذا المسؤول أحياناً حِيَلاً تفوق ما يدّعيه.
ترجمة: الجريدة
الوسومالديمقراطيون جو بايدن مقالات رأي
شاهد أيضاً
أمريكا والمسكوت عنه!
العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …